[عن الشيب!]
ـ[مهاجر]ــــــــ[23 - 03 - 2009, 08:20 ص]ـ
الشيب:
النذير المبين، لا تخطئه العين وإن أنكره الفؤاد:
روي عن ابن عباس، وعِكْرِمَة، وأبي جعفر الباقر، وقتادة، وسفيان بن عُيَيْنَة أنهم قالوا في تفسير قوله تعالى: {وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ}: يعني: الشيب.
ومن تفسير القرطبي رحمه الله:
"وجاءكم النذير" قيل: هم الرسل.
وقال ابن عباس: هو الشيب.
فإنه يأتي في سن الاكتهال، فهو علامة لمفارقة سن الصبا.
وجعل الستين غاية الإعذار لأن الستين قريب من معترك العباد، وهو سن الإنابة والخشوع والاستسلام لله، وترقب المنية ولقاء الله، ففيه إعذار بعد إعذار.
فالأول بالنبي عليه السلام، والثاني بالشيب، وذلك عند كمال الأربعين.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو سلمة، حدثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن - هو البصري – قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتمثل بهذا البيت:
كَفَى بالإسْلام والشيْب للمرْء نَاهيًا
&&&&&
وكان عمر، رضي الله عنه، بصيراً بمواقع الألفاظ في سياق أبيات سحيم عبد بني الحسحاس:
عميرة ودع إن تجهزت غازيا ******* كفى الشيب والإسلام للمرء ناهياً
فقال: لو قدمت الإسلام على الشيب لأجزتك. فالإسلام أنهى للمؤمن وأزجر من الشيب.
وفي تفسير قوله تعالى: (فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير)
قال ابن عباس ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب! فقال: "شيبتني هود وأخواتها". (وهو حديث مشهور تكلم أهل العلم في سنده كلاما معروفا ليس المقام مقام بسطه).
يقول القرطبي رحمه الله:
"والشيب نذير أيضا، لأنه يأتي في سن الاكتهال، وهو علامة لمفارقة سن الصبا الذي هو سن اللهو واللعب.
قال:
رأيت الشيب من نذر المنايا ******* لصاحبه وحسبك من نذير
وقال آخر:
وقائلة: تخضب يا حبيبي ******* وسود شعر شيبك بالعبير
فقلت لها المشيب نذير عمري ******* ولست مسودا وجه النذير.
وأما موت الأهل والأقارب والأصحاب والإخوان فإنذار بالرحيل في كل وقت وأوان، وحين وزمان". اهـ بتصرف بالزيادة.
وكثير قد هان عليه تسويد وجه النذير فرارا من قدر محتوم، وحربا لسنة كونية جارية، فلا يجهدن نفسه، فإن خفي شيب الرأس فليس شيب البدن بخافٍ.
ولا تجهدن نفسها فقد شاب حبيبها وانتهى الأمر!!.
ومن تفسير البغوي رحمه الله:
ويقال: الشيب نذير الموت. وفي الأثر: ما من شعرة تبيض إلا قالت لأختها: استعدي فقد قرب الموت.
الشيب:
ضيف استقبله البعض بترحاب، فهو تاج الوقار، سنةً كونية جارية: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، فعلام الجزع، إن كان صاحبه محسنا، ولربه مراقبا، ضيف رآه صاحبه يوما فقال:
لما رأيتُ الشيب لاح بعارضي ***** ومفرق رأسي قلت للشيب مرحبا
وخالف أبو ذؤيب فما رحب بالضيف:
عاد السواد بياضا في مفارقه ******* لا مرحبا ببياض الشيب
واستقبله شاعر الدنيا: أحمد بن الحسين المتنبي جزعا، وكأنه يخشى المنية، وما عهدناه إلا جسورا غير هياب، استقبله بقوله:
ابعد بعدت بياضاً لا بياض له ******* لأنت أسود في عيني من الظلم
وبكى على الشباب قبل رحيله فقال:
ولقد بكيتُ على الشبابِ ولمتي ******* مسودةٌ ولماءِ وجهي رونقُ
حذراً عليه قبلَ يومِ فراقهِ ******* حتى لكدتُ بماءِ جفني أشرقُ
علام كل ذلك الجزع، أبا الطيب!، وأنت القائل:
الموت آتٍ والنفوسُ نفائسٌ ******* والمستغر بما لديهِ الأحمقُ
والمرءُ يأملُ والحياةُ شهيةٌ ******* والشيبُ أوقرُ والشبيبةُ أنزقُ
وشكاه الشافعي، رحمه الله، فقال:
أيا بومة قد عششت فوق هامتي ******* على الرغم مني حين طار غرابها
فمكره أخاك لا بطل!!. فالسنة الكونية جارية رغما عنا: شئنا أو أبينا.
وتحسر عليه آخر فقال:
أودى الشباب حميدا ذو التعاجيب ******* أودى، وذلك شأو غير مطلوب
ولى حثيثا، وذاك الشيب يتبعه ******* لو كان يدركه ركض اليعاقيب
وثان فقال:
¥