[مسيرة الآلام!]
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 04 - 2009, 07:30 ص]ـ
مع بداية احتفال النصارى بما يعرف في ملتهم بـ: "عيد الفصح" نقلت فضائية الجزيرة لقطات من سير جموع من النصارى على طريق الآلام الذي سار عليه المسيح عليه السلام، طبقا للرواية النصرانية، حتى صلب فداء للنوع الإنساني ثم قام في عيد القيامة وصعد إلى ملكوته ليباشر مهامه من جديد!.
الشاهد أن العاطفة المفرطة هي الغالبة على النصارى، لدرجة الغلو، وتتبع آثار الأنبياء الحسية، دون تتبع آثارهم المعنوية. لقد شغل النصارى بتحرير وتقرير مظاهر الغلو في المسيح عليه السلام أكثر من انشغالهم بتحرير ألفاظ الوحي الذي جاء به متمما لرسالة موسى عليه السلام مقررا لأخبارها ناسخا لبعض أحكامها.
والتاريخ يشهد أن تلك الأعياد لم توجد إلا متأخرة، وكذلك وجدان الصليب الذي عثر عليه بعد وفاة المسيح عليه السلام بـ: 328 سنة! ظلت فيها النصرانية بلا صليب!، وهو من أقطاب رحى تلك الاحتفالات التي يغلب عليها طابع الفداء التجريدي، وربما وجدت فيها من البكاء والتخشع ما وجدت، فالنصارى أصل في باب التعبد بلا علم، وغالبا ما يكون المتمسك بهذا الأصل: عاطفيا، لا سيما في الدول الشرقية المحافظة التي لم تتأثر تأثر أوروبا بالعلمانية اللادينية، وإن كان لأولئك، أيضا، نصيب من الآلام والدموع، ولو من باب ذر الرماد في العيون!.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}.
وهو سبحانه خاطب النصارى بهذا لأن النصارى يعتمدون في دينهم على ما يقوله كبراؤهم الذين وضعوا لهم القوانين والنواميس ويسوغون لأكابرهم الذين صاروا عندهم عظماء في الدين أن يضعوا لهم شريعة وينسخوا بعض ما كانوا عليه قبل ذلك لا يردون ما يتنازعون فيه من دينهم إلى الله ورسله بحيث لا يمكنون أحدا من الخروج كتب الله المنزلة كالتوراة والإنجيل وعن اتباع ما جاء به المسيح ومن قبله من الأنبياء عليهم السلام.
ولهذا قال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ}.
بل ما وضعه لهم أكابرهم من القوانين الدينية والنواميس الشرعية بعضها ينقلونه عن الأنبياء وبعضها عن الحواريين وكثير من ذلك ليس منقولا لا عن الأنبياء ولا عن الحواريين بل من وضع أكابرهم وابتداعهم.
كما ابتدعوا لهم الأمانة التي هي أصل عقيدتهم وابتدعوا لهم الصلاة إلى الشرق وابتدعوا لهم تحليل لحم الخنزير وسائر المحرمات وابتدعوا لهم الصوم وقت الربيع وجعلوه خمسين يوما وابتدعوا لهم أعيادهم كعيد الصليب وغيره من الأعياد.
وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سمعه يقرأ هذه الآية: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ}.
فقال: لم يعبدوهم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنهم أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحرام فأطاعوهم فكانت تلك عبادتهم".
ولهذا قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} ". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 101، 102).
فمفهوم العبادة أوسع دائرة من مفهوم الشعائر الجسدية من صلاة وركوع وسجود، إذ العبادة مئنة من الخضوع والذل للمعبود، ومن لوازم ذلك الوقوف عند قضائه تسليما بالقلب وتنفيذا بالجوارح، فما أحله فهو الحلال، وما حرمه فهو الحرام، فالخروج عن أمره مظنة الهلاك، فإذا أعطي ذلك لبشر غير معصوم، فصارت طاعته طاعة مطلقة كطاعة الرسل عليهم السلام، صار ذلك عبادة له بلسان الحال وإن لم ينطق اللسان.
¥