تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا)، فما أردنا إلا نصرة الملة وتنزيه المعبود، جل وعلا، عن وصف النقص، وذلك لسان حال خلفهم من العلمانيين، فما أردنا إلا تزيين الإسلام في أعين خصومه!، وكأنه مقالة حادثة، قبيحة المعنى تفتقر إلى من يزينها بزخرف من المبنى، و: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ)، وكثير منهم قد جاهر بالارتداد عن الملة، طلبا لرضا أولئك، فطعن في أصول الملة صراحة، ونقض ميثاق الإيمان الأول: الذي لا يصح ما بعده من قول أو عمل إلا بصحته، ولا مانع، كما تقدم، من الاستنصار بمقالات الفلاسفة وأصحاب المناهج العقلية الغالية، فهي على كل حال: إسلامية الاسم، وإن كانت إلحادية المسمى!، فلحاؤها الشرع، ولبابها الكفر، فهي إلى أقوال الباطنية أقرب، وبها أشبه، وعن أقوال أصحاب الديانة أبعد، وإن وافقتها في الألفاظ، فعلى سبيل الاشتراك! إذ أصحابها من أجهل الناس بمقالة أهل الإسلام في العلم والعمل، فقد أعرضوا ابتداء عن نصوص الوحيين إلى نصوص فلاسفة اليونان، فظنوا افتقار الشريعة إليها لجهلهم بكمالها واستغنائها عن غيرها، وذلك حال كل مبتدع، إذ لا يظن أحد افتقار الوحي إلى العقل على سبيل التقرير، لا سيما في مسائل التوقيف، التي لا يدركها العقل على سبيل التفصيل، وإنما هو في ذلك خاصة وفي أمر الدين عامة تابع للوحي مسلم، فهو كالعامي المقلد، لا يظن أحد ذلك إلا فرعا عن جهله المطبق بالشرع المنزل، بل جهله بالعقل ودوره في معاضدة الشرع لا معارضته، إذ هو من خلق من أنزل الشرع، فالمصدر واحد، فبالكلمات الكونية كان خلق الإنسان، وبالكلمات الشرعية نزل الرسول الملكي بالوحي الرحماني على قلب الرسول البشري ليزكي به النفوس والعقول على حد قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)، فلم ينزل الوحي لينقض أصول القياس العقلي الصريح التي ركزها الله، عز وجل، في عقل الإنسان، وإنما نزل ليعضدها، فأمر بالتفكر والتدبر على سبيل تقرير مقالة الوحي بأدلة الشرع الصحيح والعقل الصريح، لا على سبيل نقضها بأصول عقلية حادثة، يكفي في بيان بطلانها اضطراب أصحابها، فما يعقده قياس فلان ينقضه قياس فلان، بل ربما تذبذب العقل الواحد فأبرم ونقض مرات ومرات، و: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، إذ لا عمل للعقل في الغيب إلا التسليم فإذا خاض فيه على سبيل الاحتمال تولد من ذلك مقالات بعدد الاحتمالات في مسائل لا تقبل التعدد إذ الحق فيها واحد لا يقبل التكرار.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير