[طور نفسك ولا تظن بربك ظن السوء]
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[29 - 08 - 2009, 02:01 ص]ـ
وقفة مع أمر عظيم وخطير يقع فيه أكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: إخواني وأخواتي جعلني الله وإياكم ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإنها عنوان السعادة، وإني أدعوكم لقراءة هذا الكلام الذي أنقله بنصه عن ابن القيم رحمه الله، وهو بيان لداء عظيم، يقع فيه أكثر الخلق، ولنفتش أنفسنا هل هي سالمة منه، فنحمد الله على ذلك، أم مصابة به، فنداويها.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى:
" أكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء. فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق، ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله.
ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به.
ومن فتش نفسه، وتغلغل في معرفة دفائنها، وطواياها، رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد.
فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته، لرأيت عنده تعتبا على القدر، وملامة له، واقتراحا عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا.
فمستقل ومستكثر وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك؟!
فإن تنجُ منها تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا
فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع، وليتب إلى الله تعالى، وليستغفره كل وقت من ظنه بربه ظن السوء.
وليظن السوء بنفسه التي هي مأوى كل سوء، ومنبع كل شر. المركبة على الجهل، والظلم. فهي أولى بظن السوء من أحكم الحاكمين، وأعدل العادلين، وأرحم الراحمين. الغني الحميد الذي له الغنى التام، والحمد التام، والحكمة التامة.
المنزه عن كل سوء في ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه. فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه، وصفاته كذلك، وأفعاله كذلك كلها حكمة ومصلحة ورحمة وعدل، وأسماؤه كلها حسنى.
فلا تظنن بربك ظن سوء ... فإن الله أولى بالجميل
ولا تظنن بنفسك قط خيرا ... وكيف بظالم جان جهول
وقل يا نفس مأوى كل سوء ... أيرجى الخير من ميت بخيل
وظن بنفسك السوآى تجدها ... كذاك وخيرها كالمستحيل
وما بك من تقى فيها وخير ... فتلك مواهب الرب الجليل
وليس بها ولا منها ولكن ... من الرحمن فاشكر للدليل "
إخواني وأخواتي:
بعد هذه المقدمة من ابن القيم رحمه الله ننتقل إلى تلك الظنون السيئة التي تظن بالله سبحانه وتعالى؛ لننظر ونفتش عنها في داخل نفوسنا، فنحذرها ونحذر غيرنا منها.
قال رحمه الله:
" ... فأكثر الناس يظنون بالله غير الحق ظن السوء فيما يختص بهم، وفيما يفعله بغيرهم، ولا يسلم عن ذلك إلا من عرف الله، وعرف أسمائه وصفاته، وعرف موجب حمده، وحكمته.
فمن قنط من رحمته، وأيس من روحه، فقد ظن به ظن السوء.
ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع إحسانهم وإخلاصهم، ويسوي بينهم وبين أعدائه، فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن به أن يترك خلقه سدى معطلين عن الأمر والنهي، ولا يرسل إليهم رسله، ولا ينزل عليهم كتبه. بل يتركهم هملا كالأنعام، فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب فى دار يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه، ويظهر للعالمين كلهم صدقه، وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السوء.
ومن ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصا لوجهه الكريم، على امتثال أمره، ويبطله عليه بلا سبب من العبد. أو أنه يعاقبه بما لا صنع فيه، ولا اختيار له، ولا قدرة، ولا إرادة في حصوله. بل يعاقبه على فعله هو سبحانه به.
¥