تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الربوبية والألوهية]

ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 08 - 2009, 06:07 ص]ـ

الألوهية تتضمن الإقرار السابق بالربوبية، فلن يتأله العبد ويخضع ويذل على جهة الديانة إلا لمن يعتقد فيه كمال التصرف، بالضر والنفع، بالإحياء والإماتة ........... إلخ، فيعتقد فيه وصف الربوبية، فإن اهتدى إلى الرب الحق ذي الأوصاف الكاملة والغنى الذاتي فلا يفتقر إلى أسباب، والقدرة النافذة فلا راد لقضائه ولا مانع، بل الموانع من خلقه، فهو الذي يجريها بأمره إذا أراد امتناع الشيء، كما أن الأسباب من خلقه فيجريها إذا أراد إيجاد الشيء، فلا ينفك سبب في الكون عن موانع تدافعه، وأسباب تعاضده، فلكل سبب سبب سابق له، فلا تستقل علة مخلوقة بالإيجاد التام، إذ ليس ذلك إلا للسبب الذي ليس وراءه سبب، قطعا للتسلسل في الفاعلين، فترجع الأسباب كلها إلى علة تامة مؤثرة يقع الفعل عقبها، وهي: كلمة الله، عز وجل، التكوينية، فرعا عن مشيئته الكاملة، فله كمال الربوبية إيجادا وإعداما.

والربوبية: ملزوم الألوهية، فهي الذريعة إلى كمال تأله العبد فرعا عن كمال تصرف الرب، فلا يتصور أن يعتقد الإنسان في ربه، عز وجل، أوصاف الكمال، جمالا وجلالا، ذاتا وأفعالا، ولا يفرده بالألوهية، إذ ذلك قدح في قياس العقل الصريح بتخلف الحكم الصحيح مع وجود علته من التصور الصحيح لمعاني الربوبية، ولذلك لا ينفك من ضل في باب الألوهية حكما عن ضلال في باب الربوبية تصورا، وإن آمن بوجود الرب، جل وعلا، إجمالا، فإنه لا بد أن يقع في خطأ في التصور لذاته القدسية أو صفاته العلية، فيتصور خلاف الحق في باب الذات والأسماء والصفات، فيعتقد في الإله، عز وجل، نقصا أو فقرا، يوجب التوجه إلى سواه بمعاني التأله التي لا يجوز صرفها إلا إليه، وبقدر الخطأ في التصور يكون الخطأ في الحكم، فالناس في ذلك على أنحاء شتى، فمنهم من عدم تصوره فرعا عن فساد فطرته التوحيدية الأولى، فلم يعد يعرف ربا يعبده إلا هواه، على حد قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)، ولعل حال الفلاسفة الوثنيين والدهريين قديما، والملحدين من الشيوعيين حديثا خير شاهد على ذلك الصنف الذي يجحد ما تلح به فطرته، على حد قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)، فينكر ما قام في النفوس من العلم الضروري بوجود سبب أول لهذا الوجود المحدَث، لا يفتقر إلى غيره من الأسباب، بل كلها ترجع إليه رجوع المُصَرَّف إلى مصَرِّفه، والمخلوق إلى خالقه، ومنهم من عرفه بذاته، ولم يعرفه بصفاته: جمالا وجلالا، فمن غفل عن صفات جماله: أساء الظن به، فعبده بالخوف من وعيده واليأس من وعده، وذلك حال الخوارج، ومن غفل عن صفات جلاله: غره حلمه، فتمادى في غيه، وعبده برجاء وعده، وأمن وعيده، بل ربما استخف به وأنكره وذلك حال المرجئة على تفاوت بين طبقاتهم في ذلك، فلا تنفك طريقتهم عن فساد في تصور جلال الرب، جل وعلا.

ومن لم يعرف كمال تصرفه في كونه، فظن أنه كملوك الدنيا يفتقر إلى من ينوب عنه، في تصريف شؤون رعيته!، صرف من العبادات لغيره بقدر جفائه في حق الرب الغني، جل وعلا، بنزع أوصاف الربوبية منه، وغلوه في حق المربوب بخلع تلك الأوصاف عليه فهو الذي يشفي ويرزق ويهب الولدان والأموال ........ إلخ من الأمور التي لا تكون إلا للرب القدير الذي: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ)، فلم يوكل أمر الذراري إلى فلان من الأنبياء أو الأئمة أو الأولياء، وفي التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)، فذكرهم في معرض تقرير كمال ألوهيته، بنعمته الكونية السابغة التي أضيفت إلى اسمه الكريم، أعرف المعارف، فاكتسبت من العموم ما لا يعد ولا يحصى، على حد قوله تعالى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير