تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من إحكام شريعة الإسلام]

ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 08 - 2009, 08:39 ص]ـ

شريعة الإسلام في الجنايات أكمل الشرائع عند التأمل في مآلاتها التي تحفظ بها الضروريات التي لا تستقيم الحياة إلا بحفظها: الدين والنفس والعرض والعقل والمال.

فتشريع القصاص، على سبيل المثال، مما تحفظ به الضرورة الثانية من ضرورات الدين إذ الأصل في دماء المسلمين الحرمة والتعظيم، وإن استبيحت على حد قوله تعالى: (قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ)، فذلك وجه استباحتهم حرماتهم بأنفسهم، على حد حديث ثوبان، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: (وَإِنِّي سَأَلْتُ رَبِّي لِأُمَّتِي أَنْ لَا يُهْلِكَهَا بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا يُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ فَيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ وَإِنَّ رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنِّي إِذَا قَضَيْتُ قَضَاءً فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ وَإِنِّي أَعْطَيْتُكَ لِأُمَّتِكَ أَنْ لَا أُهْلِكَهُمْ بِسَنَةٍ عَامَّةٍ وَأَنْ لَا أُسَلِّطَ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ سِوَى أَنْفُسِهِمْ يَسْتَبِيحُ بَيْضَتَهُمْ وَلَوْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِمْ مَنْ بِأَقْطَارِهَا أَوْ قَالَ مَنْ بَيْنَ أَقْطَارِهَا حَتَّى يَكُونَ بَعْضُهُمْ يُهْلِكُ بَعْضًا وَيَسْبِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا)، ومن هانت عليه نفسه هان على غيره، فاستباح منه ما استباح من نفسه، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا فَقَالَ قَائِلٌ وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ قَالَ بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ فَقَالَ قَائِلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ قَالَ حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ)، فذلك وجه استباحة غيرهم لحرماتهم. فما بلغ الأعداء من المسلمين ما بلغوا من أنفسهم.

والشاهد أن حقن الدماء المعصومة من كليات هذه الشريعة المحكمة، فكل دم معصوم، وإن كان دم ذمي معاهد لم ينقض عهده، لا تجوز استباحته إلا بما يوجب ذلك، فيكون ذلك من باب حفظ الكل بإهدار الجزء، وذلك من أبلغ صور الحكمة الإلهية التي غفلت عنها تشريعات أمم الأرض التي تحظر عقوبة الإعدام، صيانة للجزء وإن تعدى على الكل، فقتل القاتل لا يخلو من مفسدة جزئية وهي: إزهاق روحه، ولكن ذلك هدر في مقابل المصلحة الكلية التي تتحقق بذلك، على حد قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "حد يقام في الأرض خير من أن يمطروا أربعين صباحا"، فامتثال أمر الشارع، عز وجل، في حد ذاته، أمر مراد لذاته، وإن لم يدرك العقل وجه المصلحة فيه، إذ قد سلم وانقاد لخبر الوحي الصادق، فعزل العقل عن منصب الولاية وصار تابعا للنقل يقتفي أثره على حد قول بعض أهل العلم: إذ جاء نهر الوحي بطل نهر العقل، ومن باب النافلة بعد الفريضة، يقال بأن وجه المصلحة الكلية المدركة في عالم الشهادة وهو: حفظ بقية الأنفس بإزهاق نفس من تعدى عليها عمدا، إذ ذلك يورث في نفس كل فاتك ما يزجره عن الولوغ في الدم الحرام، يقال بأن ذلك مما تهدر معه مصلحة حفظ نفس فرط صاحبها في حفظها إذ انتهك من الحرمة ما يوجب إتلافها، وقس على ذلك: دفع الصائل فإنه قد تعرض إلى إتلاف نفسه بتعديه على غيره، فإن لم يمكن دفعه إلا بقتله، قتل ولا دية له، سواء أكان الزمان زمان: أمن، أم كان زمان فتنة لا يرخص فيه في حمل السلاح صيانةً لدماء المسلمين فالأصل في قتال الفتنة: القعود والانكفاف لا سيما إن لم يظهر وجه الحق فيه، ومع ذلك صح حمل السلاح فيه دفعا للصائل الذي يغريه هرج الفتنة فيقدم على ما لا يجرؤ عليه حال الأمن، ولعل ما حدث في العراق مؤخرا خير شاهد على ذلك، إذ بسقوط البلاد في دوامة الفتنة: شاع الهرج فأقدم من أشعلها من أهل البدعة على ما أقدموا عليه من نهب

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير