[دليل الاختراع والعناية]
ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 08 - 2009, 08:28 ص]ـ
من قوله تعالى:
(إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)
إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ: توكيد في معرض بيان استحقاقه، عز وجل، وصف الربوبية العامة.
الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا: إطناب بذكر أوصاف الربوبية على حد دليل الاختراع أو الإيجاد، وهو أحد دليلي الربوبية بالاستقراء، والإتيان بالموصول منزل منزلة التشويق إلى الوصف الذي دلت عليه الصلة، إذ دلالة الموصول مجملة عقبت بالبيان، وهو آكد في تقرير الوصف من الإتيان به صريحا فهو الذي خلق بكلماته الكونيات، علة صدور هذا العالم على سبيل الفور، على حد قوله تعالى: (وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فشاء التكوين قدرا نافذا، فوقع كما أراد عقب الكلمة التكوينية، فلا مبدل لكلماته، واستوى على الوجه اللائق بجلاله، فله من وصف العلو الخاص بالاستواء على العرش ما لا يحيط به العقل استدلالا أو كيفا، إذ ذلك من صفات الكمال التي لا تثبت إلا بالخبر الصحيح الصريح، وله من وصف العلو العام ما دل عليه العقل، وإن لم يكن العمدة في باب الإلهيات، فجاءت دلالته الصريحة موافقة لدلالة النص الصريحة، فله جميع أوصاف العلو على حد الكمال المطلق: العلو الذاتي: فهو علي بذاته على خلقه، علي بشأنه فلا يقدر أحد على مغالبته، علي بقهره فهو الغالب على أمره القاهر فوق عباده قد قهرهم بأوصاف جلاله، كما امتن عليهم بأوصاف جماله.
والعلو الفعلي: بالاستواء على أعظم المخلوقات استواء الغني عن كل ما سواه، فلا يفتقر إلى شيء من خلقه، فاستوى على أعظم المخلوقات بأعظم الأوصاف على حد قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، والاستواء بعد الخلق مئنة من تمام ملكه وتدبيره لكونه، فخلق وعلا على عرشه بمشيئته، فذلك من أوصاف الجلال، ودبر الأرزاق والأقوات بمشيئته، فذلك من أوصاف جماله، وذلك: دليل العناية، على حد قوله تعالى: (وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا)، وكما قدر في الأرض ما تصلح به الأبدان، قدر من الوحي ما تصلح به القلوب والألباب.
فقوله تعالى: (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا): دليل الاختراع والإبداع، فقد خلق الأرض وأرسى فيها الجبال على غير مثال سابق.
وقوله تعالى: (وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا): دليل العناية.
ودليل الاختراع والعناية من الأدلة التي قررها المتكلمون في أصول الدين، كابن رشد الحفيد، رحمه الله، وهو دليل عقلي صريح تشهد له كثرة متكاثرة من نصوص التنزيل فمن ذلك:
قوله تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ)، فقوله تعالى: (فاطر السماوات والأرض): دليل الاختراع والإيجاد من عدم والإبداع على غير مثال سابق، على حد أثر ابن عباس رضي الله عنهما: "كنت لا أدري ما فاطر السماوات حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها، أي ابتدأتها". اهـ
فهو، جل وعلا، بديع السماوات والأرض، وتلك من أخص أوصاف ربوبيته، عز وجل، وإن لم تكن أخصها، فتفرده بالخلق من العدم والإبداع على غير مثال سابق من أخص أوصاف ربوبيته، وتفرده بالتدبير الكوني لخلقه من أخص أوصاف ربوبيته، فلم يترك الخلق هملا، وإنما قدر لهم ما يصلح أديانهم وأبدانهم، كما تقدم، وتفرده بمعاني الكمال المطلق من الغنى والقدرة النافذة والعلم المحيط ......... إلخ من أخص أوصاف ربوبيته.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥