[تسلية أهل المصائب [9]]
ـ[أبوأيوب]ــــــــ[27 - 07 - 2009, 08:25 م]ـ
" تسلية أهل المصائب بما شرعه الرسول صلى الله عليه وسلم من التعزية "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد، أما بعد:
فمما يسلي أهل المصائب في مصائبهم هو تعزيتهم، وتصبيرهم، وتذكيرهم ثواب الصبر.
والمعروف المستقر عند أهل العلم استحباب التعزية، قبل الدفن وبعده،
و المقصود من التعزية: تسلية أهل المصيبة، ويستحب تعزية جميع أهل المصيبة، كبارهم و صغارهم.
فيعزيهم بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم على الرضا والصبر، مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم،
إن كان يعلمه ويستحضره، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع.
ومما ورد من ألفاظ التعزية
عن النبي صلى الله عليه وسلم، قبل الدفن أو بعده، ما يأتي:
منها: حديث أبي سلمة أنه لما مات شق بصره، فأغمضه النبي صلى الله عليه و سلم، ثم قال: إن الروح إذا قُبِضَ تَبِعَه البصر، فصاحَ ناسٌ من أهله، فقال: لا تَدْعُوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكةَ يُؤَمِّنون على ما تقولون. ثم قال: اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديِّين، واخْلُفْهُ في عَقِبِه في الغابِرِين، واغفر لنا وله يارب العالمين، و افسَحْ له في قبره، ونَوِّر له فيه " رواه مسلم.
ومنها: حديث أسامة بن زيد ـ رضي الله عنهما ـ قال: أرسلت ابنةُ النبيّ صلى الله عليه وسلم إليه، أن ابناً لي قد قُبِض فأْتِنا، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن للهِ ما أَخَذَ ولَهُ ما أَعْطَى، وكُلُّ شيءٍ عندَهُ بِأَجَلٍ مُسَمَّى، فَلْتَصْبِرْ ولْتَحْتَسِب ". رواه مسلم، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجه.
ومما ورد عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين في تعزيتهم أنفسهم وغيرهم ما يأتي:
ما روي عن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ أنه لما بلغه وفاة أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ قال: رضينا من الله قَضَاه، وسَلَّمْنا له أمره، إنا لله، وإنا إليه راجعون.
وروى ابن أبي حاتم بإسناده في تفسيره عن خالد بن يزيد، عن عياض، عن عقبة أنه مات له ابن يقال له: يحيى، فلما نزل في قبره قال له رجل: والله إن كان لسيد الجيش، فاحتسبه، فقال والده: وما يمنعني أن أحتسبه وكان من زينة الحياة الدنيا، وهو اليوم من الباقيات الصالحات؟!
فهذا رجل صابرٌ راضٍ محتسب، ما أحسنَ فهمَه، وما أحسنَ تعزيتَه لنفسِه، وثقتَه بما أعطاه الله من ثواب الصابرين.
و قال عمرو بن دينار: قال عبيد بن عمير: ليس الجزع أن تدمع العين ويحزن القلب، ولكن الجزع: القول السيئ والظن السيئ.
وروى البيهقي بإسناده في مناقب الشافعي ـ رحمه الله ـ: أن عبد الرحمن بن مهدي، مات له ابن، فجزع عليه جزعاً شديداً، فبعث إليه الشافعي يقول له: يا أخي، عَزِّ نفسَك بما تُعَزِّي به غيرَك، واستقبح من فعلك ما تستقبحه من غيرك، و اعلم أن أَمَضَّ المصائبِ فَقْدُ سرورٍ وحِرْمانُ أجرٍ، فكيف إذا اجتمعا مع اكتساب وِزْرٍ؟ فتناول حظك ـ يا أخي ـ إذا قرب منك قبل أن تطلبه و قد تناءى عنك، ألهمك الله عند المصائب صبراً، و أحرز لنا بالصبر أجراً، ثم أنشده:
إني مُعَزِّيك لا أني على ثِقَة ... من الخلود ولكنْ سُنَّةُ الدينِ
فلا المُعَزَّى بِبَاقٍ بعد ميِّتِه ... ولا المُعَزِّي ولو عاشا إلى حينِ
، ثم إنه مات ابنٌ للشافعيِّ ـ رحمه الله ـ فجاؤوا يعزونه، فأنشد:
وما الدهرُ إلا هكذا فاصطبرْ له ... رَزِيَّة مالٍ أو فِرَاقُ حبيبِ
وعزى صالح المري رجلاً قد مات ولده، فقال: إن كانت مصيبتك أحدثت لك عِظَةً في نفسك، فنِعْمَ المصيبةُ مصيبتُك، و إن كانت لم تحدثْ لك عظة في نفسك، فمصيبتك بنفسك أعظمُ من مصيبتك بابنك.
و عزى رجل رجلاً، فقال: يا أخي، العاقل يصنع في أول يوم ما يفعله الجاهل بعد عام.
وعزى رجل رجلاً فقال: إن من كان لك في الآخرة أجراً، خير ممن كان لك في الدنيا سروراً.
وعن ابن جريج، قال: من لم يتعز عند مصيبته بالأجر والاحتساب، سلا كما تسلو البهائم.
وقال بعض السلف، وقد عزى مصاباً: إن صبرت فهي مصيبة واحدة، و إن لم تصبر فهما مصيبتان.
و كتب رجل إلى بعض إخوانه يعزيه بابنه: أما بعد، فإن الولد على والده ما عاش حزن وفتنة، فإذا قدمه فصلاة ورحمة، فلا تجزع على ما فاتك من حزنه وفتنته، ولا تضيع ما عوضك الله من صلاته ورحمته.
وقال موسى بن المهدي لإبراهيم بن مسلم، وعزاه بابنه: أسرك وهو بلية وفتنة؟ وأحزنك وهو صلوات ورحمة؟!
حفظكم الله إخواني وأخواتي ولا أراكم الله ما تكرهون
وأسأل الله لي و لكم من فجأة الخير ونعوذ بالله ربنا من فجأة الشر