تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[عن الميثاق الشرعي]

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 08 - 2009, 08:26 ص]ـ

لا أعظم من الميثاق الشرعي: ميثاق النبوات، وما تضمنه من تصديق بالخبر وامتثال للحكم أمرا ونهيا، فذلك مما لا تطيقه إلا النفوس الكبار، ولذلك عجزت أمم وجماعات فضلا عن الأفراد عن إطاقته، فأخلت به، فمن مقل أخل بفروعه العلمية والعملية دون أصوله الكلية، ومن مستكثر نقض الأصل ومرق من الدين بالكلية.

وأَجِرِ ذلك على أصحاب المقالات الحادثة في الملة الخاتمة، ثم قس الأمم السابقة التي كفرت بأنبيائها أو كادت عليه، ففي أمة الإسلام من أخل بميثاق النبوة جملة وتفصيلا، فانتحل مقالة مكفرة لا عذر لمنتحلها إذ هي نقض صريح لعرى الملة، كمقالة الباطنية والفلاسفة القائلين بقدم العالم والقدرية منكري العلم الأول، ومنهم من انتحل مقالات تعود على أصل الدين بالإبطال، كمقالات غلاة نفاة الصفات، ومقالات السبابة الذين كفروا الصدر الأول: حملة الكتاب ونقلة الشرع، ومنهم من انتحل مقالات حادثة في مسائل الإيمان والقدر والصفات والسياسات لا يكفر منتحلها، وإن ناله من وصف نقض الميثاق نصيب إذ خرج ببدعته من حد السنة إلى حد البدعة، والقول مطرد إذ كلما كان المكلف أقرب إلى النبوة: بمباشرة نصوصها الصحيحة الصريحة، فيطرح الباطل الذي لا سند له إذ لا يعارض صحيح بباطل، ويرد المتشابه إلى المحكم الصريح، كان أقرب إلى السلامة، وهذا أمر مطرد في كل أصول الدين وفروعه، إذ الرسالة الخاتمة قد استوعبت كليهما، فلم يبق لمحدث عذر، إذ الإحداث لا يكون إلا فرعا عن نقص، إذ كل من أحدث في الإلهيات أو الشرعيات برأيه أو ذوقه أو ........ إلخ، فلسان حاله: الاستدراك على الوحي بإيراد تلك الزيادة مورد الاحتجاج، فهو يقرر ما لم يقرره الشرع، فيعتبر ما ألغاه بالسكوت عنه، مع قيام الحاجة إلى بيانه، إذ الشرعيات لا يفصل فيها إلا الكتاب المنزل، فمتى انقطع الوحي برفع النبوة فلا شرع زائد يقرر، إذ العقل والذوق عن ذلك بمعزل، فلا عمل للعقل إلا الاجتهاد في النوازل بردها إلى الأصول الكلية الجامعة لا ابتداع أصول حادثة في: الإلهيات، وهو أعظم صور الإحداث في الدين وذلك دأب أصحاب المقالات العلمية، أو: الحكميات، وذلك دأب أصحاب البدع العملية، والآراء الفقهية، والسياسات الحكمية التي تعارض ما قرره الوحي، ولا زال ذلك الإحداث واقعا إلى يوم الناس هذا، فالمقالات العلمية والرسوم العملية لا زالت تتولد، وإن كان أصلها واحدا: طغيان بني آدم بعقولهم وأهوائهم والحط من شأن النبوات بمعارضتها بالأقيسة العقلية والأهواء القلبية، حتى سوغ أصحابها لأنفسهم: اعتبار ما ألغته النبوات صراحة، فنصوصهم مقدمة على نصوص الوحي، والحكم في منازعاتهم: قياس عقل فلان أو ذوق فلان ......... إلخ، فالصور متعددة من لدن خرج الخوارج الذين حملوا حروف التنزيل في صدورهم وعجزوا عن إقامة حدوده لغلبة الجهل والهوى عليهم، وهذا حال من غلب الميل القلبي على الوحي الشرعي في كل الأعصار والأمصار، فلا نظر إلى النوازل بعين الشرع إذ حظهم منه ضئيل، فليسوا من الراسخين فيه، وذلك حال أرباب البدع عامة، فهم، كما يقول الشاطبي، رحمه الله، أصاغر في العلم، وإلى ظهور المعتزلة، أصحاب الذكاء بلا زكاء، والعلمانية المعاصرة تحتفي بمقالاتهم الكاسدة فتبعثها من مرقدها لتتأيد بها في حربها على ثوابت الملة باسم تنوير العقول وتجديد الشرائع!، وهو، عند التحقيق، إطفاء لنور الوحي الذي يزكي العقل الصريح إذ لا تعارض بينهما، وتخريب لخطاب الشرع، مع أن المعتزلة الأوائل خير منهم، إذ فيهم من كان معظما للشرع بالفعل، متأولا تأولا رفع عنه حكم المروق من الدين، وإن لم يرفع عنه الإثم لخوضه في الإلهيات التوقيفية بلا علم، فهم من أجهل الناس بالمنقول الصحيح، وأبعدهم عن المعقول الصريح، وإن ادعوا الانتصار للمنقول بأقيسة المعقول، درءا لشبهات أصحاب الملل والنحل من الفلاسفة والنصارى ........... إلخ، فلا الإسلام نصروا ولا أعداءه كسروا، بل تسلل الأعداء من ثغورهم إلى حصون الملة، فلبسوا عليهم من أمر الإلهيات ما لبسوا حتى انتحلوا البدعة في أنفسهم وامتحنوا غيرهم عليها، وهي محض شبهة لبس بها النصارى عليهم، ولسان حالهم:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير