تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه والتابعين. وبعد:

فجواباً عن سؤالكم عن ليلة النصف من شعبان، وعن مدى صحة ما ورد في فضلها، أقول وبالله التوفيق:

لقد رُويت أحاديث متعددة في فضيلة ليلة النصف من شعبان، وأحاديث في فضل تخصيصها بصلاة أو عبادة معينة.

أما الثاني: (وهو ما ورد في تخصيصها بصلاة أو عبادة) فلم يصحّ فيها شيء، بل كلها أحاديث موضوعة وباطلة، وحَكَمَ ببطلانها جمعٌ من أهل العلم، منهم ابن الجوزي في كتابه الموضوعات (2/ 440–440 - 445 رقم1010 - 1014)، والبيهقي في الشعب (3841)، وأبو الخطاب ابن دحية في أداء ما وجب (79 - 80)، وابن قيم الجوزية في المنار المنيف (174 - 177)، وأبو شامة الشافعي في الباعث على إنكار البدع والحوادث (124 - 137)، والعراقي في تخريج إحياء علوم الدين (582)، ونقل شيخُ الإسلام الاتفاق على بطلان الصلاة المسماة بالألفية كما في اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 138).

وهذا أمرٌ لا يخفى على أحدٍ من أهل العلم: أن تخصيص ليلة النصف من شعبان بصلاة لم يرد فيه حديثٌ صحيح ولا حسنٌ ولا ضعيف خفيفُ الضعف، بل ما ورد فيه كله موضوع مكذوب على نبينا -صلى الله عليه وسلم-.

أمّا ما ورد في فضلها مطلقاً، فقد ورد فيه أحاديث اختلف فيها أهلُ العلم قديماً وحديثاً، وجَمَع كثيرٌ من الحفاظ طُرُقها، وخصها بعضهم بالتصنيف كأبي عبد الله ابن الدُّبَيْثي (ت637هـ).

فقد ورد فيها الحديث من حديث معاذ بن جبل، وعائشة، وأبي ثعلبة الخشني، وعثمان بن أبي العاص، وأبي موسى الأشعري، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، وأبي هريرة، وعبد الله بن عَمرو، وعوف بن مالك، وأُبيّ بن كعب، وأبي أمامة، وأبي بكر الصديق – رضي الله عنهم أجمعين -، ومراسيل لغيرهم.

واستيعاب الكلام عن طرقها وعللها لا يُناسبُ هذا المقام، وتَرْكُ ذلك بالكلية لا يُوضَّح الحق ولا يُقربُ إلى الصواب، لذلك رأيت أن أكتفي بالكلام عن أشهر طرقها باختصار، ثم يُقاسُ عليها ما هو أشد ضعفاً منها.

أولاً: حديث معاذ بن جبل –رضي الله عنه-، عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال: يطّلعُ اللهُ ليلة النصف من شعبان إلى خلقه، فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن". أخرجه ابن حبان في صحيحه (5665)، وغيره، فانظر تخريجه في حاشية تحقيقه، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة (1144).

لكن الحديث وقع فيه اضطراب كثير في إسناده، جعله من حديث أبي ثعلبة الخشني مَرّة (وانظر السلسة الصحيحة)، ومن حديث أبي إدريس الخولاني مرسلاً، وعن كثير بن مُرّة مرسلاً، وعن مكحول مرسلاً.

وكلها مرجعها إلى إسناد واحد اضطُرب فيه هذا الاضطراب.

بيَّن ذلك ووضّحه غاية الوضوح الدارقطني في العلل (6/ 50 - 51 رقم 970)، وقال أثناء ذلك عن روايتيه من حديث معاذ بن جبل: "وكلاهما غير محفوظ".

وقال عن الحديث بعد إيراده لطرقه السابقة: "والحديث غير ثابت".

وخصَّ الدارقطني في موطن آخر من علله (6/ 323 - 324 رقم 1169) حديث أبي ثعلبة بالذكر، ثم قال بعد عرْضِ طُرُقه: "والحديث مضطرب غير ثابت".

بل لقد قال أبو حاتم الرازي -وحسبك به- عن حديث معاذ بن جبل: "هذا حديث منكر بهذا الإسناد" العلل لابن أبي حاتم (2012).

وبذلك ظهر أن حديث معاذ وأبي ثعلبة حديثان شديدا الضعف، لا ينفعان في باب الاعتبار، أي لا يرتقيان بالمتابعات والشواهد.

ثانياً: حديث عائشة –رضي الله عنها– عن النبي –صلى الله عليه وسلم– أنه قال لها حين افتقدته فوجدته في البقيع –في حديث-: "إن الله –عز وجل– ينزل ليلة النصف من شعبان إلى السماء الدنيا، فيغفر لأكثر من عدد شَعْرِ غنم كَلْب". أخرجه الإمام أحمد (26018)، والترمذي (739)، وابن ماجة (1389) من طريق الحجاج بن أرطاة عن يحيى بن أبي كثير، عن عروة، عن عائشة به.

ثم قال الترمذي عقبه: "حديث عائشة لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث الحجاج وسمعتُ محمداً (يعني: البخاري) يُضعّفُ هذا الحديث، وقال: يحيى بن أبي كثير لم يسمع من عروة، والحجاج لم يسمع من يحيى" فهو إسنادٌ ضعيفٌ، ويشير كلام البخاري إلى ضعف الحديث من جميع وجوهه؛ لأنه ضعّف الحديث لا الإسناد وحده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير