تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أو ظن به أنه يجوز عليه أن يؤيد أعداءه الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله، ويجريها على أيديهم يضلون بها عباده، وأنه يحسُن منه كل شيء حتى تعذيب من أفنى عمره في طاعته، فيخلده في الجحيم، أسفل السافلين، وينعم من استنفد عمره في عداوته، وعداوة رسله، ودينه، فيرفعه إلى أعلى عليين، وكلا الأمرين عنده في الحسن سواء، ولا يعرف امتناع أحدهما، ووقوع الآخر إلا بخبر صادق، وإلا فالعقل لا يقضي بقبح أحدهما، وحسن الآخر، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله، بما ظاهره باطل، وتشبيه، وتمثيل، وترك الحق لم يخبر به، وإنما رمز إليه رموزا بعيدة، وأشار إليه إشارات ملغزة، لم يصرح به، وصرح دائما بالتشبيه، والتمثيل، والباطل، وأراد من خلقه أن يتعبوا أذهانهم، وقواهم، وأفكارهم في تحريف كلامه عن مواضعه، وتأويله على غير تأويله، ويتطلبوا له وجوه الاحتمالات المستكرهة، والتأويلات التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالكشف والبيان، وأحالهم في معرفة أسمائه وصفاته على عقولهم، وآرائهم، لا على كتابه. بل أراد منهم أن لا يحملوا كلامه على ما يعرفون من خطابهم، ولغتهم مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به، ويريحهم من الألفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل، فلم يفعل بل سلك بهم خلاف طريق الهدى والبيان، فقد ظن به ظن السوء.

فإنه إن قال: إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي عبر به هو وسلفه، فقد ظن بقدرته العجز،

وإن قال: إنه قادر ولم يبين، وعدل عن البيان، وعن التصريح بالحق إلى ما يوهم. بل يوقع في الباطل المحال، والاعتقاد الفاسد، فقد ظن بحكمته، ورحمته ظن السوء.

وظن أنه هو وسلفه عبروا عن الحق بصريحه دون الله ورسوله، وأن الهدى والحق في كلامهم، وعباراتهم، وأما كلام الله، فإنما يؤخذ من ظاهره التشبيه والتمثيل والضلال، وظاهر كلام المتهوكين الحيارى هو الهدى والحق، وهذا من أسوأ الظن بالله، فكل هؤلاء من الظانين بالله ظن السوء، ومن الظانين به غير الحق ظن الجاهلية.

ومن ظن به أن يكون في ملكه ما لا يشاء، ولا يقدر على إيجاده، وتكوينه فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه كان معطلا من الأزل إلى الأبد، عن أن يفعل، ولا يوصف حينئذ بالقدرة على الفعل، ثم صار قادرا عليه بعد أن لم يكن قادرا، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه لا يسمع، ولا يبصر، ولا يعلم الموجودات، ولا عدد السموات والأرض، ولا النجوم، ولا بني آدم، وحركاتهم، وأفعالهم، ولا يعلم شيئا من الموجودات في الأعيان، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن أنه لا سمع له، ولا بصر، ولا علم له، ولا إرادة، ولا كلام يقول به، وأنه لم يكلم أحدا من الخلق، ولا يتكلم أبدا، ولا قال، ولا يقول، ولا له أمر، ولا نهي يقوم به، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه فوق سماواته على عرشه، بائنا من خلقه، وأن نسبة ذاته تعالى إلى عرشه، كنسبتها إلى أسفل السافلين، وإلى الأمكنة التي يرغب عن ذكرها، وأنه أسفل كما أنه أعلى، فقد ظن به أقبح الظن وأسوأه.

ومن ظن به أنه يحب الكفر والفسوق والعصيان، ويحب الفساد كما يحب الإيمان والبر والطاعة والإصلاح، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن به أنه لا يحب، ولا يرضى، ولا يغضب، ولا يسخط، ولا يوالي، ولا يعادي، ولا يقرُب من أحد من خلقه، ولا يقرب منه أحدٌ، وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته، كذوات الملائكة المقربين، وأوليائه المفلحين، فقد ظن به ظن السوء.

ومن ظن أنه يسوِّي بين المتضادين، أو يفرق بين المتساويين من كل وجه، أو يحبط طاعات العمر المديد الخالصة الصواب بكبيرة واحدة تكون بعدها، فيخلد فاعل تلك الطاعات في النار أبد الآبدين بتلك الكبيرة، ويحبط بها جميع طاعاته، ويخلده في العذاب، كما يخلد من لا يؤمن به طرفة عين، وقد استنفد ساعات عمره في مساخطه، ومعاداة رسله ودينه، فقد ظن به ظن السوء.

وبالجملة فمن ظن به خلاف ما وصف به نفسه، ووصفه به رسله، أو عطل حقائق ما وصف به نفسه، ووصفته به رسله، فقد ظن به ظن السوء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير