لقد تميز ابن النفس بأصالة الرأس واستقلال الفكر واعتماد المنهج التجريبي في إثبات الحقائق العلمية: من رصد، ومشاهدة، ومقارنة، وملاحظة، وإجراء تجارب، كما أنه كان يؤمن بحرية القول وضرورة الاجتهاد، وكان لا يتردد في نقد أخطاء كبار الأطباء السابقين كجالينوس وابن سينا وغيرهم، كما كانت طريقته في العلاج تعتمد على تنظيم الغذاء أكثر من استخدام الأدوية، ثم إنه كان يفضل الأدوية المفردة على المركبة ولذلك يقول الدكتور محمد أمين فرشوخ: (وابن النفيس كان يخضع أبحاثه لمنهج علمي واضح، فقد درس أعمال من سبقه من العلماء والأطباء قبل أن يحكم على غير السليم منها ويعتمد الجيد لبناء نظريات جديدة، وقد اهتم بالظواهر والعوامل المؤثرة في جسم الإنسان أكثر من اهتمامه بالطب العلاجي، لذلك يمكننا اعتباره عالماً محققاً، بل كان رائداً في علم وظائف الأعضاء، مع تسجيلنا إنجازاته التي سبق بها عصره، كما أنه كان الأول فيمن كتب في أصول الفقه وعلم الطب.
ثالثاً: بعض صفات ومآثر ابن النفيس في الطب
- كانت طريقته في معالجة المرضى تعتمد على تنظيم الغذاء أكثر من الاعتماد على الأدوية والعقاقير.
- كان ذا أفق رحيب علمياً، وتفكير شامل ونشاط مستمر في التجارب.
- ويذكر الدكتور عامر النجار عنه ما يؤكد أنه: (كان عالماً بالتشريح حاذقاً بهذا الفن على الرغم من أنهم زعم أنه لم يمارس التشريح بوازع الشريعة والرحمة – فكتاباته العلمية الدقيقة عن التشريح تؤكد دقته به).
- وأما عن غزارة علمه فتحدثنا الدكتورة زيغريد هونكة فتقول: (ويروي الرواة أنه كان كتب كتبه دون الرجوع إلى أي مرجع وكأنه سيل عرم متدفق، وبينما كان مرة في أحد حمامات القاهرة التي بلغت عدداً جاوز 1200 وهو منهمك في دلك جسمه بصابون زيت الزيتون النقي إذ به يخرج فجأة من حوض الحمام إلى القاعة الخارجية ويطلب ورقاً وريشة وحبراً ويبدأ في كتابة رسالته عن النبض حتى إذا ما انتهى منها رجع ثانية إلى الحمام وكأن شيئاً لم يحدث.
- كان يحفظ كتاب القانون لابن سينا عن ظهر قلب، ولذلك كان يلقي المحاضرات عن جالينوس وعن ابن سينا دون أي سابق تحضير، ولقد قال بخصوص كتبه التي ألفها: (لو لم أكن واثقاً من أن كتبي ستعيش بعدي مدة عشرة آلاف سنة لما كتبتها).
- نبوغه في فن المداواة من خلال جدارة ومهارة مسلكية منقطعة النظير حتى قيل عنه بأنه كان موسوعة في المعرفة تمشي على قدمين.
- أصالة تفكيره حيث كان يخضع ما يقرؤه للنظرة النقدية الممحصة.
- بل إنه كسر طوق التقيد بالطرق الموروثة عن السابقين ودعا إلى التحرر من هيمنة الأفكار التي ظهر فسادها في الوقت الذي كان غيره يرهب من انتقادها أو مخالفتها.
- أمانته العلمية وإنصافه وعدم تنكره لفضل العلماء الآخرين وقد كان يقول بصدد مخالفته لابن سينا: (خالفناه في أشياء يسيرة ظننا أنها من أغاليط النساخ).
- جمعه بين مختلف العلوم بشكل منسجم لا تفاوت فيه.
رابعاً: اكتشاف ابن النفيس للدورة الدموية
لقد تتبع ابن النفيس مسار الدم في العروق ولاحظ سريانه في الجسد لذلك فإنه قد استطاع – ولأول مرة في التاريخ – وصف الدورة الدموية فكان بذلك هو المكتشف الأول لها قبل سيرفيتوس الأسباني وهارفي الانكليزي، ولقد أثبت ابن النفيس أن الدم ينقى في الرئتين، فقد اهتدى إلى أن تجاه الدم ثابت وأنه يمر من التجويف القلبي الأيمن إلى الرئة حيث يخالط الهواء، ومن الرئة عن طريق الشريان الوريدي – الوريد الرئوي – إلى التجويف الأيسر، فالدم يأتي غليظاً من الكبد إلى التجويف الأيمن حيث يلطف ثم يمر من الشريان الوريدي إلى الرئة حيث ينقسم إلى قسمين: قسم رقيق يصفى في مسام الشريان الرئوي. وقسم غليظ يتبقى في الرئة عن طريق القصبة الهوائية ويدخل الشريان الوريدي – الوريد الرئوي – عبر جدارها النحيف ثم يصل الدم الرقيق المخلوط بالهواء إلى التجويف الأيسر حيث تتكون الروح التي ترج منه إلى الأورطة فالشرايين فالأنسجة، وأما غذاء القلب فيكون عن طريق أوعية خاصة تمر في صميم عضلة القلب.
خامساً: قصة فضح الفرية التي تنسب اكتشاف الدورة الدموية لهارفي وغيره
¥