تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

" في تلك المظاهرات حمل الناس الشهداء، والجرحى واندفعوا يهتفون والدم الساخن ينزف أمامهم، ويحني ملابسهم وأجسادهم لكن الجنود أطلّوا برؤوسهم الصغيرة من وراء الصخور البركانية السوداء، وقد طلّوا وجوههم بالهباب الأسود وسددوا فوهات بنادقهم، ثم حيث تقدم الناس أطلقوا عشرات العيارات النارية فسقط المزيد من الجرحى ولاذ الناس بالفرار ... وفي اليوم التالي تدفقت الجموع الغاضبة من المخيمات الثلاث، وهدرت ألوف الحناجر، وتمكن الناس من بلوغ الساحة الرئيسة في المدينة ... وفيما كان احد الحزبين يلقى خطاباً يدعو فيه إلى الوحدة العربية، ويمتدح جمال عبد الناصر، ويكيل اللعنات للجنرال (تمبلر) ونوري السعيد، وحلف بغداد ارتفع صوت مجهول:

ـ إلى مشروع العلمي يا شباب. لندمر العملاء يا شباب ... بلغ الناس البوابة الخارجية، تدفقوا إلى الداخل، واقتلعوا الأشجار، حطموا سيارات الأمريكية الأنيقة، لكنهم لم يسيئوا للعمال المقيمين.

فتحوا أبوب المداجن، وتدفقوا ليمسكوا كل واحد منهم دجاجة سمينة بيضاء أو اثنتين" ص19.

وتنطلق الضحكة من المفاجئة والمباغتة في انقلاب الموقف. فمن أجواء متوترة ومشحونة بالغضب، ورائحة البارود التي تزكم الأنوف، وصورة الجنود طليي الوجوه بالهباب الأسود، وأصوات الهتافات، وسقوط الجرحى والشهداء ننتقل من هذا التوتر والوضع المتأزم. فتنقلب الصورة رأساً على عقب. حين نرى هذا "الانقلاب الأبيض" في خبر جريدة اليوم التالي للمظاهرة: ذهبوا يهتفون، وعادوا يكاكون" ص 19.

3. السخرية بالحدث

تستعرض رواية العشاق أوضاع الشعب الفلسطيني في المخيمات قبل حرب 67، وتعود قبل هذا التاريخ الذي ينبني على أسلوب التداعي واسترسال الذكريات ثم العودة إلى زمن القص عند سرد الأحداث لنكسة 67. التي يغوص بها إلى أدق أسبابها. ومن هنا تتجلى السخرية في حدث الرواية. إذ تجسد الأغاني الوطنية، والمهرجانات الغنائية، وابتهالات الدروايش، والاجتماعات السياسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع. استعدادات الدول العربية للحرب. فصوت أم كلثوم يقابله صوت أزيز الطائرات الإسرائيلية بطل النكستين. وابتهالات الدراويش يقابله قصف المعسكرات والطيارات العربية الرابضة في المطارات. والاجتماعات الكوميدية للزعماء العرب يقابله انتصار إسرائيل في حربها واحتلالها الشطر الثاني من فلسطين. وبدل استرجاع ما اغتصب من فلسطين، تحتل إسرائيل أراضٍ عربية أخرى.

وبعد هذه الوقفة القصيرة مع رواية "العشاق"، حريٌ بنا أن نسلط الضوء على ما رسخت له هذه الرواية التي تعدُّ احد علامات الطريق في الرواية الفلسطينية، وهو: أن الشعب الفلسطيني ليس عابر سبيل، ولم يولد من الحائط، بل هو وريث حضارة قديمة تركت آثارها في باطن الأرض كما على وجهها، وما السبيل لاستعادة الحقوق المغتصبة إلا بالمقاومة والسلاح، وبذل النفس، وليس بالخطب الحماسية، والأغاني الوطنية، كما رأينا في ثنايا الرواية.

*الكاتبة: رابعة حمّو باحثة في الأدب العربي

اخوكم ابو ميسرة من غزة (فلسطين)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير