فأبى شريكٌ أن يتكفل به، فوثب إليه رجل من كلب يقال له قُرَاد بن أجْدَع، فقال للنعمان: أبيت اللَّعْن! هو عليّ، قال النعمان: أفعلت؟ قال: نعم، فضمّنه إياه ثم أمر للطائي بخمسمائة ناقة، فمضى الطائيّ إلى أهله، وجَعَلَ الأجَلَ حولا من يومه ذلك إلى مثل ذلك اليوم من قابل، فلما حال عليه الحولُ وبقي من الأجل يوم قال النعمان لقُرَاد:
ما أراك إلا هالكاً غَداً، فقال قُرَاد:
فإن يَكُ صَدْرُ هذا اليوم وَلىّ = فإنَّ غَداً لناظرهِ قَريبُ
فلما أصبح النعمان ركب في خيله ورَجْله متسلحاً كما كان يفعل حتى أتى الغَرِيَّيْنِ فوقف بينهما، وأخرج معه قُرَادا، وأمر بقتله، فقال له وزراؤه: ليس لك أن تقتله حتى يستوفي يومه، فتركه، وكان النعمان يشتهي أن يقتل قُرَاداً ليُفْلَتَ الطائي من القتل، فلما كادت الشمس تَجِبُ وقُرَاد قائم مُجَرَّد في إزار على النِّطَع والسيافُ إلى جنبه أقبلت امرأته وهي تقول:
أيا عَيْنُ بكى لي قُرَاد بن أجْدَعَا = رَهينا لقَتْلٍ لا رهينا مُوَدّعا
أتته المنايا بَغْتةً دون قومه = فأمسى أسيراً حاضر البَيْتِ أضْرَعَا
فبينا هم كذلك إذ رفع لهم شخص من بعيد، وقد أمر النعمان بقتل قراد، فقيل له: ليس لك أن تقتله حتى يأتيك الشخص فتعلم من هو، فكفَّ حتى انتهى إليهم الرجلُ فإذا هو الطائي، فلما نظر إليه النعمان شَقَّ عليه مجيئُه، فقال له: ما حملك على الرجوع بعدَ إفلاتك من القتل؟ قال: الوفاء، قال: وما دَعَاك إلى الوفاء؟ قال: دِينِي، قال النعمان: فاعْرِضْهُ عليّ، فعرضه عليه، فتنصّر النعمان وأهلُ الحِيرة أجمعون، وكان قبل ذلك على دين العرب، فترك القتلَ منذ ذلك اليوم، وأبطل تلك السُّنَّة وأمر بهدم الغَرِيّيْن، وعفا عن قُرَاد والطائي، وقال: والله ما أدري أيها أوفى وأكرم، أهذا الذي نجا من القتل فعاد أم هذا الذي ضمنه؟ والله لا أكون ألأمَ الثلاثة، فأنشد الطائيّ يقول:
ما كُنْتُ أُخْلِفُ ظنه بعد الذي = أسْدَى إلىّ من الفَعَال الخالي
ولقد دَعَتْنِي للخلاف ضَلاَلتي = فأبَيْتُ غيرَ تمجُّدِي وفعالي
إني امرؤ منِّي الوفاءُ سَجِية = وجزاء كل مكارم بَذَّالِ
وقال أيضاً يمدح قُرَادا:
ألا إنما يسمو إلى المجد والعُلا = مَخارِيقُ أمثال القُرَاد بْنِ أجْدَعَا
مخاريقُ أمثال القراد وأهله = فإنهمُ الأخيار من رَهْطِ تبّعا
ـ[النابغة الحضرمي]ــــــــ[07 - 09 - 2009, 08:44 ص]ـ
جلس الحَجّاجُ بن يوسف الثقفي يقتل أصحاب عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث, فقام إليه رجل منهم فقال: إنّ لي عليك حقّاً. فقال الحجّاج: وما حقك علَيّ؟ فقال الرجل: لقد سبّك عبد الرحمن يوماً فأنكرْتُ عليه.
فقال الحجاج: ومن يعلم ذاك؟ فقال الرجل: أنشد الله رجلاً سمع ذاك إلاّ شهد به.
فقام رجلٌ من الأسرى فقال: قد كان ذاك أيها الأمير.
فقال الحجّاج: إذن خلّوا عنه. ثم قال للشاهد: وما منعك أن تنكر كما أنكر؟
فقال: لقديم بغضي إياك. فقال الحجاج: ويُخلّى هذا لصدقه.