وكان يقول: يا ابن آدم، السكين تشحذ، والتنور يسجر، والكبش يعتلف.
وقال أبو حازم: إن بضاعة الآخرة كاسدة فاستكثروا منها في أوان كسادها؛ فإنه لو جاء وقت نفاقها لم تصلوا فيها إلي قليل ولا كثير.
وكان عون بن عبد الله يقو ل: كم من مستقبل يوم لا يستكمله، وكم من مؤمل لغد لا يدركه، وإنكم لو رأيتم الأجل ومسيره؛ لأبغضتم الأمل وغروره.
وكان أبو بكر بن عياش يقول: لو سقط من أحدكم درهمٌ لظل يومه يقول: إنا لله .. ذهب درهمي، وهو يذهب عمره ولا يقول: ذهب عمري، كان لله أقوام يبادرون الأوقات، ويحفظون الساعات، ويلازمونها بالطاعات.
وهذا الفاروق عمر رضي الله عنه ما مات حتى سرد الصوم.
وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنه تسرد، وسرد أبو طلحه أربعين سنة.
وقال نافع: ما رأيت ابن عمر صائما في سفره، ولا مفطرا في حضره.
وقال ثابت البُناني: ما تركت في المسجد سادنة إلا وختمت القرآن عندها.
وقيل لعمرو بن هاني: لا نري لسانك يفتر من الذكر فكم تسبح كل يوم؟
قال: مائة ألف، إلا ما تخُطى الأصابع.
وصام منصور بن المعتمر أربعين سنة، وقام ليلها وكان الليل كله يبكي، فتقول له أمه: يا بني، قتلت قتيلاً؟ فيقول:أنا أعلمُ بما صنعتُ بنفسي.
قال الجماني: لما حضرت أبو بكر بن عياش الوفاة بكت أخته، فقال: لا تبك، وأشار إلى زواية في البيت، إنه قد ختم أخوك في هذا الزواية ثمانية عشر ألف ختمة.
كان بعض السلف يقول: صم الدنيا واجعل فطرك الموت، الدنيا كلها شهر صيام المتقين يصومون فيه عن الشهوات المحرمات، فإذا جاءهم الموت فقد انقضى شهر صيامهم واستهلوا عيد فطرهم.
وقَدصُمتُ عَن لذاتِ دَهرِي كُلَّها ويَومَ لِقاكُم ذَاكَ فِطرُ صِيامِي
من صام اليوم عن شهواته أفطر عليها بعد مماته، ومن تعجل ما حُرَّمَ عليه قبل وفاته؛ عوقب بحرمانه في لآخرة وفواته،قال الله تعالى: {أَذهَبتُم طَيّبَاتِكُم فِى حَيَاتِكُمُ الدُّّّنياَ وَاستَمتَعتُم بِهَا}
كان الخليفة الراشد على رضي الله عنه يقول في آخر ليلة من رمضان:
ليت شعري من المقبول منا فنهنيه؟، ومن المحروم منا فنعزيه؟
وكأن المستفاد من ذلك
أولا أن قبول الأعمال غيب وأن غاية ما كان من سعي المكلفين إنما هو فى تحصيل صور الأعمال ومظاهرها، وأما المعول والذي عليه المدار فى القبول؛ إنما هو حقائق الأعمال ومقاصدها. . فليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه؟
إن ذلك غيب، لا يدري أحد أين المقبول؟، وأين المحروم؟
واستفدنا كذلك أنه لابد بعد انقضاء العمل من وقفه المحاسبة للنفس، والنظر فيما كان فيه هذا العمل، وهل وقع هذا العمل من الله تعالى موقع القبول؟ أو كان هذا العمل في محل الرد والحرمان؟
فاكتسبت النفس لذلك وجلا بعدما ظنت انقضاء زمان السعي والمجاهدة، جاءها زمان آخر .. زمان المحاسبة للنفس، والمعاقبة على تقصيرها، والمجاهدة لشكر نعم الله عز وجل عليها.
قال بعض السلف: كانوا يجتهدون فى العمل الصالح، فإذا فعلوه وقع عليهم الهم: أيقبل منهم أم لا؟
فما ينفكون من وجلهم وإشفاقهم فى أثناء أعمالهم، وما يذهب عنهم وجلهم ولا إشفاقهم بعد انقضاء الأعمال، لا يدرون قبلت منهم أعمالهم أم ذهبت تلك الأعمال فى غير محل القبول؟
واستفدنا كذلك من قول الصحابيين الجليلين ألا يزال العبد واقفا بباب الله ماسكاً بطرف الحبل، فهذا المقبول لا ينقضي بعمله المقبول سعيه، بل يقتضي هذا العمل المقبول سعياً موصولاً في شكر نعمة الله عز وجل التي آتاه، وفى القيام بحق الله عز وجل في التوفيق للعمل الصالح، وفي مزيد من التنعيم بما أذاقه الله عز وجل من حلاوة الطاعة.
وكذلك ذلك المحروم لا ينبغي له أن يقطع الحبل، فلا ينقطع به الرجاء من ربه الكريم جل جلاله سبحانه وتعالى؛ بل إن حرمانه يعني ذهاب جولة من جولات السعي بسبب سوء فعله ومرذول قصده، فإذا حصل له التنبيه لذلك فلابد أن تكون جولة سعيه الأخرى أحظى بالقبول وأرجى لاستحقاق رحمة أرحم الراحمين.
اللهم ارحمنا برحمة منك تغنينا به عن رحمة من سواك
واللهم لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب
آمين وصلى الله على سيد المرسلين والحمد لله رب العالمين
اعداد
الشيخ محمد حسين يعقوب
ـ[د. مصطفى صلاح]ــــــــ[23 - 09 - 2009, 06:20 ص]ـ
أحسن الله إليك
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 09 - 2009, 09:38 ص]ـ
سلمتِ أختي الكريمة أم حذيفة ..
ما أروع هذا الكلام وأصدقة .. علّه يوافق منا بصيرة واعية .. ونفس إلى الخير سائرة ..