فللمسلمين دين ولليهود دين، وطبعًا ذكر في هذا البند يهود بني عوف، وفي بقية المعاهدة تعريف كل اليهود الموجودين في داخل المدينة المنورة بأسماء قبائلهم، أي: يهود بني النجار، ويهود بني حارثة، ويهود بني ساعدة، وهكذا.
البند الثاني
وهو في غاية الأهمية: "وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم". أي أن الذمة المالية لهم محفوظة تمامًا.
هذا الكلام يوقع عليه زعيم الدولة في ذلك الوقت، والحقوق الاقتصادية لهم محفوظة بعيدًا عن ذمة المسلمين المالية، فليس معنى أننا عاهدناهم، وأن الزعامة والرئاسة في الدولة للمسلمين أن نأخذ حقًّا لهم أو أن نأخذ ممتلكاتهم. فلهم حرية التملك ما داموا على عهدهم مع المسلمين في داخل الدولة الإسلامية، وفي الوقت نفسه ففي هذا البند نوع من التميّز للمسلمين، فليس معنى إقامة معاهدة أن تتميع الأمور ويصبح الاقتصاد الإسلامي ممزوجًا بالاقتصاد اليهودي ويندمجان. لا؛ فنحن ليس لنا دخل بحياتهم، ولنا حياتنا المستقلة التي نعتز بها، وهذا الكلام يكتبه الرسول وهو يعرف أن الاقتصاد في هذه اللحظة كان معظمه في أيدي اليهود.
البند الثالث
أن في وقت الحرب يتغير هذا الأمر، فإذا حدث ضغط أو حرب أو حصار على المدينة المنورة فالجميع - بحق المواطنة - يدافع عن المدينة المنورة، وأن بينهم النصر على من دَهَمَ يثرب، ما داموا يعيشون معًا في بلد واحد، فعليهم التعاون في الدفاع عن البلد لو حدث غزو خارجي. ثم يقول: "وإن اليهود يُنفِقون مع المؤمنين ما داموا محاربين".
لو قامت حرب يجب أن تجتمع النفقة للدفاع عن البلد، وأن بينهم النصح والنصيحة، والبر دون الإثم، وأن النصر للمظلوم، وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. وكلها أمور تحفظ لليهود شأنهم في الدولة التي يتزعمها مسلم، هو الرسول.
البند الرابع
وهو بند خطير وصريح جدًّا، وفي منتهى القوة، يقول رسول الله: "وإنه لا تُجار قريشٌ ولا من نصرها". وهذا موقف خطير، قبل ذلك قال: "إن بينهم النصرَ على من دَهِمَ يثرب".
إذا دهم يثرب أيُّ عدو فعلى الجميع أن يتعاون في صده حتى لو كان هذا العدو هو قريش، وقريش لم يكن بينها وبين اليهود مشاكل قبل ذلك، بالعكس كانت العلاقات الدبلوماسية بينهما جيدة، ولما قبل اليهود بهذه المعاهدة قرروا - في الظاهر - أن يقاطعوا قريشًا؛ لأن قريشًا تعادي المسلمين، وكان من المتوقع أن تهجم قريش على المدينة المنورة، فإن الرسول لمعرفته أن اليهود أهل خداع ومكر وغدر وخيانة صرَّح في المعاهدة باسم قريش حتى لا يأتي اليهود ذات يوم ويقولوا: إن قريشًا مستثناة من المعاهدة لكذا أو لكذا. وهذا يعلمنا أن أي معاهدة مع اليهود لا بد أن تكون كل كلمة فيها مكتوبة بوضوح؛ فقال: "إنه لا تُجار قريش ولا من نصرها". أي إذا هجمت قريش على المدينة فعلى اليهود أن يساعدوا المسلمين، لا أن يساعدوا قريشًا في حربها ضد المسلمين. وهذا ما سنرى مخالفة له بعد ذلك في بني قريظة، ونفهم من الآن خلفيات غضب الرسول عليهم عندما أعانوا قريشًا على المسلمين في يوم الأحزاب.
نحن نلاحظ أن هناك قوة وصلابة في المعاهدة من طرف رسول الله، وهو الذي يُملِي الشروط على اليهود.
البند الخامس
ثم ذكر رسول الله: وألاَّ يخرج من اليهود أحدٌ إلا بإذنه. فهو نظام يشبه نظام الجوازات الآن، فلا أحد يغادر الدولة إلا بإذن من السلطة فيه، ليس لقبائل اليهود في داخل المدينة المنورة أن يخرجوا في سفر أو في حرب أو في أمر من الأمور إلا بإذن الرسول؛ لأنهم من الممكن أن يحدثوا مشاكل خارج المدينة تجرُّ الويلات على كل المدينة المنورة بمن فيها من اليهود والمسلمين، أي أن تأشيرة الخروج والسماح بالسفر كانت في يد الرسول. ولا بد أن ننتبه للفرق الرهيب بين هذه المعاهدة وبين المعاهدات التي عقدت بعد ذلك في فلسطين مع اليهود.
البند السادس
وهو أهم بنود المعاهدة، حيث قال: "وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يُخاف فسادُه، فإن مرده إلى الله، وإلى محمد ". لو حدث خلاف بين المسلمين واليهود أو شجار بينهم، فإن الحكم لله ولرسوله الكريم.
¥