يسارع يماني كعادته في دعوة التجار للتبرع للجمعيات الخيرية عامة , وعلى رأسها جمعية تحفيظ القرآن الكريم , لا يكل ولا يمل , يكتب ويتصل ويبذل ما يستطيع من الجهد والوقت لتوفير الموال للجمعيات الخيرية باختلاف نشاطاتها.
كانت أوقاف الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن تقدر بعشرات الملايين , تبرع بها الناس من اجل أعظم كتاب سماوي على وجه الأرض اليوم ..
وبعد اقل من أسبوعين من هذا الحفل صدر قرار من أمير مكة بطرد جميع العاملين من مدرسي القرآن الكريم من غير السعوديين في جمعيات مكة وجدة وتوابعها ..
نتيجة لهذا القرار أقفلت وسرحت لأول مرة في التاريخ حلقات تحفيظ القرآن في المسجد الحرام , وهو أو إلغاء رسمي لها منذ عهد الإسلام الأول ..
ربما كانت الحلقات توقف في أيام الحروب أو الحج أو غير ذلك لظرف طارئ , لكنها لم توقف هكذا بدون سبب إلا في شهر شوال وذي القعدة من عام 1431.
كان إيقاف الحلقات قاسياً جداً على الغيورين , ولقد رأيت الدموع تنهار من بعض الناس لهذا القرار , فالقرآن والإسلام لا يعترف بلون أو جنسية أو عرق ..
إنه دين خالد وكتاب سماوي عظيم ..
بعد القرار المفاجئ بأيام معدودة اجتمع وجهاء الناس والقضاة والعلماء لمناقشة الوضع , صدّر الأمير قراره وهو على جناح سفر خارج المملكة ..
أصبح اللقاء مع وكيل الأمارة لا قيمة له , وأمير جدة يقول لا قرار لي , والأمير مسافر!!! ...
في اجتماع جمع رؤساء المحاكم والعلماء والوجهاء ليبحثوا هذا القرار , وجدوا أنّ القرار بيد الأمير خالد الفيصل , عندما أغلقت السبل وتقطعت الطرق وتنصل الجميع من المسؤلية , فوجئوا بمحمد عبده يماني يجهش بالبكاء مثل راهب يرى هلاك أمته وهو ينصحهم وويمنعهم من الشر ....
كتب الناس بالمئات للأفتاء في الرياض , بخطورة هذا الوضع وتأزمه , وأنه يضعف العلاقة والثقة بين المسؤل والمحكومين , خاصة والبلد قام على كتاب الله.
ذكروهم بالمسجد الحرام وحقه وحرمته , كان للإفتاء في الرياض رأي آخر!!.
رأى الإفتاء إن لديه قضية أهم وأخطر , وهي يصدر فتوى جماعية في تحريم عمل المرأة محاسبة في المحلات التي تبيع للجمهور ...
عندما سقطت الفتوى في أيدي الناس في جدة ومكة كتب بعض الناس معلقاً , لماذا استأسد رجال الإفتاء على النساء ولم يستأسدوا على غيرهن ممن منع تدريس القرآن!!.
مع كل هذه الأحداث المزعجة , ومع أن الواقع لا زال قائماً حتى هذه اللحظة , وعندما أحس يماني بالخذلان المتكرر , رأى أن يصدع بالحق رغم أمراضه ..
وبعد القرار بعشرة أيام عاد الأمير من سفره أخيراً , وأصبح لابد من الجلوس معه , ويماني من أعضاء مجلس المنطقة , ووجيه كبير مهاب ومسموع الكلمة , وبعد أيام طويلة من المواعيد , وفي يوم الاثنين الثاني من شهر ذي الحجة لعام 1431 , وفي مجلس الأمير خالد الفيصل , تكلم يماني مع الأمير عن حلقات القرآن , واحتدم النقاش , وخرج الحوار عن مساره إذا أصر الأمير على رأيه.
كان يماني يقول في نفسه ولجلسائه دائماً بعد هذا القرار , إنه القرآن الذي تبذل الأمة مهجتها من أجله , والقرآن الذي نعيش به ونحيا على ضوئه , إنه كلام الله الخالق العظيم , وليس لعبة في أيدي الناس , ومع النقاش العنيف و وأمام الملأ سطر يماني ملحمة الخلود , ورأى أن بطن الأرض خير من أعلاها , لم يستطع أن يعيش ليشاهد كتاب الله تعبث به الأيدي ولا يجد نصيراً , فأصيب بجلطة دماغية توفي على إثرها مباشرة ونقل إلى المستشفى السعودي الألماني بجدة ...
سقط بعبائته الجميلة وعكازه الخشبي الجميل بين الصامتين أو المطبلين للقرارات سقط في المجلس أمام عدسات الكاميرات المنافقة وبريق الفلاشات اللامعة , وسقط بين الناس تحت الثريات الكريستالية الفاخرة المعلقة , وبجوار الأرائك الوثيرة المريحة ..
سقط ليموت شهيداً للقرآن العظيم , وهو يحمل سبباً يلقى الله به وهو كتاب ربه سبحانه وتعالى ...
رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وغفر له .. يارب ......
ـ[أبو مقرن]ــــــــ[12 - 11 - 2010, 03:26 م]ـ
كافأكم الله بالعافية والستر في الدنيا، والرحمة والمغفرة في الآخرة.
وأحسن الله إليك ـ أختي نبض الأمل ـ إذ نقلت مقالا حسنا.
ولله الحمد والمنة، فالخير باق في أمة الإسلام، ولا يزال فيهم من ينافح عن دينه، ويذب عن كتاب ربه، ويبذل مهجته، ويرخص روحه؛ حتى يوجع أعداء الدين، ويضطرهم إلى أضيق المساحات، ويصغرهم في العيون، ويحط من قدرهم في الصدور، حتى يخرُّون وهم يخورون.
فانزل التاريخ قبرا أو فنَمْ ** في الثرى غُفلا كبعض الهامدين
واخدع الأحياء ما شئت فلن ** تجد التاريخ في المنخدعين
ـ[د. سليمان خاطر]ــــــــ[12 - 11 - 2010, 04:21 م]ـ
رحم الله الشيخ الدكتور اليماني رحمة واسعة وألهم أهله وبلده ومحبيه الصبر وحسن العزاء.
إنا لله وإنغ إليه راجعون.
ـ[د. خالد الشبل]ــــــــ[12 - 11 - 2010, 04:59 م]ـ
رحم الله الدكتور الراحل محمد عبده يماني، وأسكنه الجنة.
¥