تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

غالبَ الأجزاءِ المعروفةِ آنذاكَ, وجِهَادُهُ عليه الصلاةُ والسلامُ وعملُهُ وهمتُهُ العاليةُ في بناءِ الأُمَّةِ أمرٌ معروفٌ.

والصديقُ -رضي الله عنه- استطاعَ في أقلَ من سنتين أنْ يَخرُجَ من دائرةِ حِصَارِ المُرْتَدينَ, ولم يَمُتْ -رضي الله عنه- إلا

وجيوشُهُ تُحَاصِرُ أعظمَ إمْبِرَاطُورِيتين في ذلك الوقتِ, هذا وقد نهاه كبارُ الصحابةِ عن حربِ المُرْتَدينَ، وظنَّوا أنَّه لا

يستطيعُ أنْ يَقُومَ في وَجهِ العربِ كلِّهم, ولكنِ همَّتُهُ العاليةُ أبتْ عليه ذلك، واستطاعَ أنْ يَنْجِزَ ما ظنَّه الناسُ خيالًا لا

يُنْجَزُ.

أصحابُ الهممِ يُعْتمدُ عليهم، وتُناطُ بهم الأمورُ الصعبةُ، وهذا أمرٌ مُشَاهَدٌ معروفٌ, كما سمِعنا وقرأنا عمن سَبَقَ من

أهلِ الفضلِ ومَنْ أنَارَ اللهُ بهمُ الدنيا ورفعَ اللهُ بهم شأنَ الأمةِ.

نُدْرَةُ أَصحابِ الهممِ في النَّاسِ

يَصْدُقُ عليهم قولُ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-: «تَجِدُونَ النَّاسَ كَإِبِلٍ مِائَةٍ لاَ يَجِدُ الرَّجُلُ فِيهَا رَاحِلَةً» رواه مسلمٌ.

وهم في النَّاسِ ثُلَّةٌ من الأولين، وقليلٌ من الآخرين.

وقدْ كانوا إذا عُدُّوا قليلا ... فقد صاروا أعزَّ من القليلِ

همَّةُ المؤمنِ تُبَلِّغُهُ الجنَّةَ

قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً، وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَعَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا

إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ، وَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ» رواه البخاريُّ.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ». رواه

مسلمٌ وغيرُهُ.

وقال -صلى الله عليه وسلم- فيمن تَجَهَزَ للجهادِ، ثم أدرَكَهُ الموتُ: "إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْقَعَ أَجْرَهُ عَلَى قَدْرِ نِيَّتِهِ" رواه

الإمامُ أحمدُ وغيرُهُ.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «مَا مِنِ امْرِئٍ تَكُونُ لَهُ صَلاَةٌ بِلَيْلٍ فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا نَوْمٌ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَجْرَ صَلاَتِهِ وَكَانَ نَوْمُهُ

صَدَقَةً عَلَيْهِ». رواه النسائيُّ وأبو داودَ.

وقد يَتَفَوّقُ المؤمنُ بهمتِهِ العاليةِ على غيرِهِ مع قلةِ ذاتِ اليدِ

كما بيَّن ذلك الصادقُ المَصْدُوقُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «سَبَقَ دِرْهَمٌ مِائَةَ أَلْفِ

دِرْهَمٍ». قَالُوا وَكَيْفَ؟ قَالَ: «كَانَ لِرَجُلٍ دِرْهَمَانِ تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَانْطَلَقَ رَجُلٌ إِلَى عُرْضِ مَالِهِ فَأَخَذَ مِنْهُ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ

فَتَصَدَّقَ بِهَا». رواه النسائيُّ وأحمدُ وغيرُهُ.

يا عاليَ الهمَّةِ .. بقَدْرِ ما تَتَعنَّى، تَنالُ ما تتمنَّى

إن عاليَ الهمةِ يجودُ بالنَّفسِ والنَّفِيسِ في سبيلِ تحصيلِ غايتِهِ، وتحقيقِ بُغيتِهِ، لأنَّه يَعْلمُ أنَّ المكارمَ مَنُوطَةٌ بالمكارِهِ،

وأنَّ المصالحَ والخيراتِ واللذاتِ والكَمَالاتِ كلَّها لا تُنَالُ إلا بحظٍ من المَشقةِ، ولا يُعْبَرُ إليها إلا على جِسْرٍ منِ التَعَبِ.

كما أنشدَ أبو تمامٍ في مدحِ المُعْتَصِمِ بعد فتحِ عَمُّوْرِيَّةَ:

كَمْ أَحْرَزَتْ قُضُبُ الهنْدِي مُصْلَتَة ... تهتزُّ منْ قُضُبٍ تهتزُّ في كُثُبِ

بيضٌ، إذا انتُضيتْ من حُجبها، رجعتْ ... أحقُّ بالبيض أتراباً منَ الحُجُبِ

خَلِيفَة َ اللَّهِ جازَى اللَّهُ سَعْيَكَ عَنْ ... جُرْثُومَة ِ الديْنِ والإِسْلاَمِ والحَسَبِ

بصُرْتَ بالرَّاحة ِ الكُبرى فلمْ ترها ... تُنالُ إلاَّ على جسرٍ منَ التَّعبِ

إن كان بينَ صُرُوفِ الدَّهرِ من رحمٍ ... موصولة ٍ أوْ ذمامٍ غيرِ مُنقضبِ

فبَيْنَ أيَّامِكَ اللاَّتي نُصِرْتَ بِهَا ... وبَيْنَ أيَّامِ بَدْر أَقْرَبُ النَّسَبِ

أَبْقَتْ بَني الأصْفَر المِمْرَاضِ كاسِمِهمُ ... صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ

عالي الهمةِ يُرى منطلقاً بثقةٍ وقوةٍ وإقدامٍ نحوَ غايتِهِ التي حدَّدَها على بصيرةٍ وعلمٍ، فيَقْتَحِمُ الأهوالَ، ويَسْتَهِينُ

الصِّعَابَ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير