تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومع التسليم كذلك بأن الاشارات الكونية الواردة في كتاب الله قد جاءت في معرض التذكير بقدرته المطلقة , وبديع صنعه في خلقه , وشمول علمه , وكمال صفاته وأفعاله , الا انها تبقي بيانا من الله , خالق الكون ومبدع الوجود , ومن اعلم بالكون من خالقه ... ؟

من هنا كانت تلك الاشارات الكونية كلها حق , وكانت كلها منسجمة مع قوانين الله وسننه في الكون , وثابتة في دلالاتها ـ مهما اتسعت دائرة المعرفة الانسانية ـ فلا تعارض ولا تناقض ولا اضطراب وصدق الله العظيم القائل:

(ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (النساء:82).

ومن هنا أيضا كان واجب علماء المسلمين في مدارسة تلك الآيات الكونية مستفيدين بكل أنواع المعارف المتاحة في تفسيرها وإظهار جوانب الإعجاز بها , في حجة واضحة ومنطق سوي وذلك تأكيدا لإيمان المؤمنين , ودحضا لافتراءات المفترين , وتثبيتا للحقيقة الراسخة أن القرآن كلام الله العزيز الرحمن الرحيم.

ومن هنا كذلك كان التسليم بأن تلك الإشارات الكونية لم ترد في القرآن الكريم بهدف التبليغ بالحقيقة العلمية , لأن الحكمة الإلهية قد تركت مجالا مفتوحا لاجتهاد المجتهدين , يتنافس فيه المتنافسون , ويتباري المتبارون , أمة بعد أمة , وجيلا بعد جيل , إلي أن يرث الله تعالي الأرض ومن عليها , فلولا أن الإرادة الالهية قد ارتضت بسط الكون بكل حقائقه كاملة أمام الإنسان , لانتفت الغاية من الحياة الدنيا , وهي دار ابتلاء واختبار , ولاختفي ذلك الغيب الذي يشد الانسان اليه , ويشحذ جميع حواسه وكل قواه العقلية والفكرية , ولتبلدت تلك الحواس والقدرات ولمضت حياة الانسان علي الأرض رتيبة كئيبة بائسة , جيلا بعد جيل , وعصرا بعد عصر , بغير تجديد أو تنويع أو إبداع , وسط عالم يتميز بالتغير في كل أمر من أموره , وفي كل لحظة من لحظات وجوده , هذا فضلا عن أن العقل البشري عاجز عن تقبل الحقائق الكونية الكلية دفعة واحدة , وأنه يحتاج في فهمها إلي شئ من التدرج في الكشف , وفي استخراج الأدلة , وفي إثباتها وتكامل معطياتها علي مدي أجيال متعاقبة.

ويستدل أصحاب هذا الموقف بالحشد الهائل من الإشارات الكونية في كتاب الله , وبمطالبة القرآن الكريم للانسان دوما بتحصيل المعرفة النافعة علي إطلاقها , وهذه أولي آيات القرآن العظيم تأمر بذلك وتحدد وسائله , وتحض علي التأمل في الخلق , بل وتشير إلي حقيقة علمية لم تكتشف إلا بعد ذلك بقرون طويلة ألا وهي ... خلق الانسان من علق ... وهي حقيقة لم يتوصل إليها الإنسان إلا بعد اكتشاف حقيقة المجاهر المكبرة , وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي:

(اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الانسان من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الانسان ما لم يعلم). (العلق:1 ـ 5)

ويستدل أصحاب هذا الموقف المعتدل علي ذلك بما يقرره القرآن من مسئولية الانسان عن حواسه وعقله , وما يفرضه من حسن استخداماتها في التعرف علي الكون , واكتساب المعارف النافعة منه , وتخديمها في حسن فهم كتاب الله , حيث يقرر الحق (تبارك وتعالي) ذلك بقوله في محكم كتابه:

(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا .. ) (الإسراء:36).

كما يستدلون برفض القرآن للتقليد والجمود علي الآراء الموروثة الخاطئة , والحكم بالظن والهوي , ومطالبته الانسان دوما بتأسيس الاحكام علي الدليل العقلي الذي لا يقبل النقض , وهذه كلها من أخص خصائص المنهج التجريبي في دراسة الكون وما فيه , كذلك يستشهدون بتكريم القرآن الكريم للعلم والعلماء ـ بمن فيهم من علماء الكونيات ـ في العديد من آي الذكر الحكيم نختار منها قول الحق (تبارك وتعالي):

(هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)

(الزمر:9)

وقوله (عز من قائل):

(يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) (المجادلة:11)

وقوله (سبحانه وتعالي):

(شهد الله انه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) (آل عمران:18)

وقوله:

(انما يخشي الله من عباده العلماء) (فاطر:28).

والآية الأخيرة قد وردت بعد استعراض لكثير من المشاهد الكونية , مما يؤكد أن الآية تشمل علماء الكونيات , ان لم يكونوا هم المقصودين بها مباشرة , فالآية تنطق:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير