(أفلا ينظرون إلي الإبل كيف خلقت وإلي السماء كيف رفعت وإلي الجبال كيف نصبت وإلي الأرض كيف سطحت) (الغاشية:17 ـ 20)
ويستشهد أصحاب هذا الموقف المعتدل كذلك علي ضرورة توظيف المعارف العلمية في تفسير الآيات الكونية بتأكيد القرآن الكريم علي أن لكل شيء في هذا الكون فطرته السوية التي فطره الله عليها , والتي تخصه وتميزه , وهي قاعدة أساسية من قواعد المنهج العلمي التجريبي في الكشف عن حقائق هذا الكون ومكوناته وسنن الله فيه , ونقرأ في ذلك قول الحق (تبارك وتعالي):
ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي .. (طه:50)
وقوله (سبحانه)
(الذي خلق فسوي والذي قدر فهدي) (الأعلي:3,2)
وأن هذه الفطرة ثابتة , لا تتغير ولا تتبدل لقول الحق (تبارك وتعالي):
( ... لا تبديل لخلق الله) (الروم: آية 30)
وأنها خاضعة لقوانين مطردة , لا تتخلف ولا تتوقف إلا بإذن الله , وأنه لولا ثبات تلك الفطرة وأطراد القوانين التي تحكمها ماتمكن الإنسان من اكتشاف أي من أمور هذا الكون , وأن القرآن يصر علي تسمية تلك القوانين بالحق , وعلي أن الكون ومافيه خلق بالحق , ويطالب الإنسان بالتعرف علي ذلك الحق والتزامه , فالتنزيل ينطق بقول الله (تعالي):
(ماخلقنا السموات والأرض ومابينهما إلا بالحق وأجل مسمي) (الاحقاف: آية 3)
وقوله (سبحانه):
(أو لم يتفكروا في أنفسهم ماخلق الله السموات والأرض ومابينهما إلا بالحق وأجل مسمي وان كثيرا من الناس بلقاء ربهم لكافرون). (الروم:8)
وقوله (عز من قائل):
(خلق السموات والأرض بالحق , يكور الليل علي النهار , ويكور النهار علي الليل , وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمي ألا هو العزيز الغفار) (الزمر: آية 5)
وقوله (تعالي):
(هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب , ماخلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون) (يونس: آية 5)
وقوله (سبحانه):
(وماخلقنا السموات والأرض ومابينهما لاعبين ماخلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون)
(الدخان: الآيتان 39,38)
كذلك فإن الذين يرون ضرورة توظيف المعارف العلمية في تفسير الآيات الكونية الواردة في كتاب الله , وفي الاستشهاد علي الإعجاز العلمي لتلك الآيات ينتصرون لذلك بأن أكثر من أربعين سورة من سور القرأن الكريم البالغ عددها 114 سورة تحمل أسماء لبعض أشياء الكون وظواهره , ويستشهدون بعرض القرأن للعديد من القضايا التي هي صميم العلوم التجريبية من مثل خلق السماوات والأرض , واختلاف الليل والنهار , وإتساع الكون , ورتق السماوات والأرض وفتقهما , وبدء السماء بدخان , وخلق الحياة من الماء وفي الماء واستعراض مراحل الجنين في الإنسان وغير ذلك كثير مما لا يوفيه في هذا المقام حصر ولكن تكفي الإشارة إلي آيات قليلة منها من مثل قول الحق تبارك وتعالي:
(أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون) (الأنبياء:30)
وقوله (عز من قائل):
(ثم استوي إلي السماء وهي دخان , فقال لها وللأرض أئتيا طوعا أو كرها , قالتا أتينا طائعين) (فصلت:11)
وآيات الكتاب الحكيم في كل ماعرضت له من أمور الكون تتميز بمنتهي الدقة في التعبير , والشمول في المعني والدلالة , وبالسبق الاخباري بحقائق لم يتيسر للإنسان المام بها إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين. وهذا بالقطع يشكل صورة من صور الأعجاز لم تتوافر لجيل من الأجيال من قبل. وسأفصل الحديث في الإعجاز العلمي للإشارات الكونية في كتاب الله في المقالات القادمة إن شاء الله (تعالي).
وخلاصة القول أن القرآن الكريم يزخر بالعديد من الآيات التي تشير إلي الكون ومابه من كائنات (أحياء وجمادات) وإلي صور من نشأتها ومراحل تكوينها , وإلي العديد من الظواهر الكونية التي تصاحبها , وقد أحصي الدارسون من مثل هذه الآيات حوالي الألف آية صريحة , بالاضافة الي آيات آخري عديدة تقرب دلالاتها من الصراحة. مما يبلغ بالآيات الكونية الي سدس آيات القرأن الكريم تقريبا. ويقف المفسرون من هذه الآيات الكونية مواقف متعددة , فمنهم المضيقون والموسعون والمعتدلون , فالمضيقون يرون أن تلك الاشارات لم ترد في القرأن لذاتها , وإنما وردت من قبيل الاستدلال علي قدرة
¥