ومسوغ الإدغام في الميم: التجانس، لأنهما يشتركان في صفات كثيرة، لعل أبرزها: الغنة، فهي مما انفردا به دون بقية الحروف، وإن كانت غنة النون أظهر من غنة الميم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فضلا عن تقاربهما في المخرج، فالميم، مخرجها "الشفتان"، والنون مخرجها "طرف اللسان".
ومنه:
قوله تعالى: (ممن منع).
وقوله تعالى: (مثلا ما).
ومسوغ الإدغام مع الياء والواو: التقارب، فمخرج النون "طرف اللسان"، قريب من مخرج الواو "الشفتين"، ومخرج الياء "وسط اللسان"، فجوز هذا التقارب الإدغام، والله أعلم.
ومنه، في حالة الواو:
قوله تعالى: (من وال).
وقوله تعالى: (غشاوة ولهم).
وفي حالة الياء:
قوله تعالى: (من يقول).
وقوله تعالى: (وبرق يجعلون).
والملاحظ في الإدغام، إجمالا، أن سببه، عكس سبب الإظهار، ففي الإظهار، حسن الفصل بين النون الساكنة والتنوين من جهة، وحروف الإظهار من جهة أخرى، لتباعد مخرج كل منهما، وفي الإدغام حسن إدماجهما في حروف الإدغام، لتماثل المخرج في حالة الإدغام مع النون، وتقاربه في بقية حروف الإدغام، والله أعلم.
مسألة: الغنة المتبقية، صفة أي الحرفين المدغمين؟
إذا تقرر أن الإدغام في هذه الحالة لابد أن يكون بغنة، فإنه يحسن أن نتعرف على الحرف الذي يسبب هذه الغنة:
ففي حالة النون: الغنة غنة المدغم فيه، أي النون الثانية، والملاحظ هنا أن كلا حرفي الإدغام يحمل صفة الغنة، فهو إدغام حرف مغن في حرف مغن، غنتهما متماثلة تبعا لتماثلهما، والله أعلم.
وفي حالة الميم: الغنة غنة المدغم، أي النون، والملاحظ هنا أن كلا حرفي الإدغام يحمل صفة الغنة، فهو، أيضا، إدغام حرف مغن في حرف مغن، ولكن غنة المدغم، أي النون، أقوى من غنة المدغم فيه، أي الميم، وعليه ظهرت غنة الأول على غنة الثاني، وغلبت في اللفظ، والله أعلم.
وهذا الرأي هو الرأي الراجح، وهناك قول آخر بأن الغنة هي غنة المدغم فيه، ولا يخفى رجحان هذه القول لأن فيه ترجيحا لغنة على غنة أقوى منها، فكيف يغلب الأدنى على الأعلى، ويلزم من هذا القول: القول بذهاب جسم النون الساكنة وصفتها أيضا، فتخرج هذه الصورة من عموم تعريف الإدغام الناقص، لأنه أصبح كاملا، بزوال المدغم وصفته أيضا، وهذا هو حد الإدغام الكامل، ورغم كمال الإدغام المستلزم زوال أي غنة، بقيت غنة المدغم فيه، فصارت هذه الصورة جامعة لكلا نوعي الإدغام، فهي إدغام كامل، ومع ذلك بغنة، كما في الإدغام الناقص، والعمل بالقول الأول يرفع عنا حرج هذا التأويل الدقيق، والله أعلم.
وفي حالة الواو والياء: الغنة غنة المدغم، أي النون، بالإجماع، لأنه لا غنة للواو والياء أصلا، حتى يقال بترجيح غنة النون على غنتهما، أو العكس، والله أعلم.
ثم نبه الناظم، رحمه الله، إلى مسألة مهمة:
وهي مسألة وقوع النون الساكنة، وحرف الإدغام في كلمة واحدة، فقال:
إلا إذا كانا بكلمة فلا ******* تدغم كـ (دنيا)، ثم (صنوان) تلا
وقد وقع ذلك في القرآن الكريم في 4 كلمات:
دنيا، وصنوان، وقنوان، وبنيان.
فطبقا لقاعدة الإدغام المعروفة، يتم النطق بحرف الإدغام مشددا، فتنطق دنيا: ديا، وتنطق صنوان: صوان، وتنطق قنوان: قوان، وتنطق بنيان: بيان، وهذا نطق غير صحيح بطبيعة الحال، لالتباس هذا النطق بنطق المضعف، وهو ما تكرر أحد أصوله كـ: (حيان)، و (رمان (.
لأن كلمة دنيا: لا تضعيف فيها، فحروفها دال ونون وياء وألف المد، بينما كلمة ديا (إذا ما أدغمنا النون في الياء طبقا لقاعدة الإدغام الأصلية)، فيها تضعيف، فحروفها: دال وياء مشددة، (وهي ياءان إحداهما ساكنة والأخرى متحركة)، وألف المد، فاختلفت بنية الكلمة، بل واختلف معناها، فالدنيا من الدنو، والديا من الدي، وكذا الحال في بقية الكلمات، فإن الإدغام فيها يغير بنية الكلمة ومعناها، والله أعلم.
ثم ذكر الناظم، رحمه الله، القسم الثاني من الإدغام، وهو الإدغام بغير غنة، فقال:
والثان: إدغام بغير غنه ******* في اللام والراء وكررنه
وفي بعض نسخ المتن:
والثان: إدغام بغير غنه ******* ورمزه "رل" فأتقننه
¥