تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لغة: فهو، كما يقول الشيخ الضباع رحمه الله: تحويل الشيء عن وجهه، يقال: قلبه أي: حوله عن وجهه، ومنه قوله تعالى: (ونقلبهم ذات اليمين وذات الشمال)، أي نحولهم ذات اليمين وذات الشمال، ومنه دعاء: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، أي يا محول القلوب من الكفر للإيمان، ومن الإيمان للكفر، ومنه: (القلب) الجارحة المعروفة، سمي بذلك لسرعة تقلبه، فهو أشد غليانا من المرجل، كما ورد في الحديث، والغليان مظنة التقلب والاضطراب.

واصطلاحا: جعل حرف مكان آخر، ففيه تقلب النون الساكنة ميما، ولكن هذا التعريف ينقصه، الخطوة الثانية من خطوات الإقلاب وهي: إخفاء الميم الساكنة المنقلبة عن النون الساكنة أو التنوين، لإتيان الباء بعدها، وهو ما يعرف بالإخفاء الشفوي، كما سيأتي إن شاء الله، فكأن الإقلاب يشمل حكمين:

قلب النون الساكنة أو التنوين إلى ميم ساكنة.

ومن ثم إخفاء الميم الحاصلة، مع غنة، كما ذكر الناظم، رحمه الله، في تعريف الإقلاب.

وعليه يكون هذا التعريف، مقتصرا على نصف التعريف المختار.

وقيل: هو عبارة عن قلب مع خفاء لمراعاة الغنة.

أو: جعل حرف مكان آخر مع مراعاة الغنة.

والتعريف المصدر بـ "قيل"، هو أجود هذه التعاريف، لأنه شمل كل خطوات الإقلاب، فنبه على:

القلب، ثم الإخفاء، ثم الغنة، التي تنتج من إخفاء الميم الساكنة إذا أتى بعدها باء، فالغنة صفة ملازمة للميم الساكنة، وإن كانت أضعف من غنة النون، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

ومنه قوله تعالى: (أن بورك)، فهنا نون ساكنة، أتى بعدها باء، فالحكم هو قلب النون الساكنة إلى ميم، ولذا رسم فوقها "ميم صغيرة"، في المصاحف المتداولة للتنبيه على هذا القلب، ومن ثم تخفى الميم الساكنة، مع الإتيان بالغنة، لأنه جاء بعدها باء، فانتقلنا من أحكام النون الساكنة إلى أحكام الميم الساكنة، فمن الإقلاب، وهو أحد أحكام النون الساكنة إلى الإخفاء الشفوي، وهو أحد أحكام الميم الساكنة.

ومنه قوله تعالى: (أنبئهم)، وهو كالمثال السابق تماما، ولكن هنا أتت النون الساكنة والباء في كلمة واحدة.

ومنه قوله تعالى: (سميع بصير)، وهو مثال لتنوين أتى بعده باء، فيكون حكمه كحكم النون الساكنة، تماما بتمام، وبطبيعة الحال لا يكون الإقلاب، في حالة التنوين، إلا من كلمتين، لأن التنوين لا يأتي إلا متطرفا، (أي في نهاية الكلمة)، فلا يأتي في وسط الكلمة أبدا، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

وهناك عدة ملاحظات تجدر الإشارة إليها:

أولا: وجه قلب النون الساكنة، ميما، إذا أتى بعدها باء:

فوجهه: أن النون حرف له غنة، والباء حرف شفوي، يلزم إطباق الشفتين عند نطقه، والإتيان بالنون من طرف اللسان، مع إظهار غنتها، ثم الانتقال مباشرة إلى إطباق الشفتين للإتيان بالباء من مخرجها، أمر فيه كلفة، فلا يحسن إظهارهما معا في نفس الوقت لثقل ذلك.

فإن قال قائل: إذا تعذر الإظهار، فالإدغام يحل محله، والجواب:

أن إدغام النون الساكنة في الباء، أمر غير مستحسن، لقلة التناسب بينهما، فالمخرج مختلف، فالنون من طرف اللسان، والباء شفوية، والصفات مختلفة، فالأولى تغن، والثانية لا غنة فيها، والباء من حروف الشدة، التي يجمعها قولك: (أجد قط بكت)، والنون من الحروف المتوسطة، التي يجمعها قولك: (لن عمر)، فلا هي بالشديدة ولا الرخوة.

فلم يبق إلا قلب النون إلى حرف يشترك معها بعض الخصائص، ويشترك مع الباء في خصائص أخرى، فكأنه قنطرة يعبر اللسان عليها من النون إلى الباء دون كلفة أو مشقة، فناسب أن نأتي بحرف الميم:

لأنه يشترك مع النون في صفة الغنة، بل هما الحرفان الوحيدان اللذان يختصان بها، فلا غنة في سواهما، ويشترك مع الباء في المخرج، لأن الميم من الحروف الشفوية كالباء، فسهل بذلك الانتقال من النون الساكنة إلى الباء دون كلفة أو مشقة.

ولكن الميم الساكنة، سواء كانت أصلية، كما في أحكام الميم الساكنة، كما سيأتي إن شاء الله، أو منقلبة عن نون ساكنة أو تنوين، كما في أحكام النون الساكنة، الميم الساكنة إذا أتى بعدها باء، فإنها تخفى إخفاء شفويا، ويأتي شرح الإخفاء الشفوي تفصيلا إن شاء الله.

وما يلزمنا معرفته هنا، أمران:

الأمر الأول: التنبيه على الإتيان بالغنة، فهي صفة ملازمة للإخفاء سواء كان حقيقيا، في النون الساكنة والتنوين، أو شفويا في الميم الساكنة.

الأمر الثاني: أنه يجب على القارئ الاحتراز من كز الشفتين على الميم المنقلبة عن النون أو التنوين في اللفظ، لئلا يتولد من كزهما غنة ممططة، (من المط)، من الخيشوم، والنطق السليم، كما ذكر الشيخ الضباع رحمه الله، يكون بتسكين الميم بتلطف من غير ثقل أو تعسف. اهـ.

ويضاف إلى ذلك أنه كما يجب الاحتراز من كز الشفتين، فإنه يجب الاحتراز أيضا من انفراجهما، فالصحيح هو ضمهما ضما لطيفا، مع إبقاء فرجة صغيرة بينهما تسمح باندفاع لطيف للهواء الخارج من تجويف الفم.

والله أعلى وأعلم.

يتبع إن شاء الله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير