ويمكن القول بأن الغنة صفة لازمة للإخفاء، فلا إخفاء إلا بغنة، سواء كان حقيقيا، كما في النون الساكنة والتنوين، أو شفويا، كما في الميم الساكنة، خلاف الإدغام، فالغنة غير ملازمة له، فقد يأتي بغنة، فيكون ناقصا، كما في الإدغام مع حروف "ينمو" وقد يأتي بغير غنة، فيكون كاملا، كما في الإدغام مع حروف "رل"، والله أعلم.
والإخفاء كالإظهار له ثلاث مراتب، تبعا لقرب المخرج أو بعده عن مخرج النون الساكنة والتنوين:
فأدناه: عند الطاء والدال المهملتين والتاء المثناة من فوق، لقرب مخارج هذه الحروف من مخرج النون.
ومن ذلك:
قوله تعالى: (أنداد)
وقوله تعالى: (من دابة)
وقوله تعالى: (قنوان دانية)
وقوله تعالى: (ينطقون)
وقوله تعالى: (من طين)
وقوله تعالى: (صعيدا طيبا)
وقوله تعالى: (ينتهوا)
وقوله تعالى: (من تحتها)
وقوله تعالى: (جنات تجري)
وأقصاه: عند القاف والكاف، لبعد مخرجهما عن مخرج النون الساكنة، فهي تخرج من طرف اللسان، وهما يخرجان من أصل اللسان، من المنطقة التالية مباشرة لأدنى الحلق من جهة تجويف الفم، وسبقت الإشارة إلى أن هذا المخرج قريب جدا من مخرج الغين والخاء، وهما من حروف الإظهار الأدنى، نظرا لقرب مخرجهما، وهو أدنى الحلق من جهة تجويف الفم، من مخرج القاف والكاف، فالتداخل حاصل بين هذين المخرجين، وكما قد يقع الخطأ بالإخفاء عند الغين والخاء، قد يقع أيضا بالإظهار عند القاف والكاف، فوجب التنبيه على ذلك، والله أعلم.
ومن ذلك:
قوله تعالى: (ينقلبون)
وقوله تعالى: (ولئن قلت)
وقوله تعالى: (سميع قريب)
وقوله تعالى: (ينكثون)
وقوله تعالى: (من كل)
وقوله تعالى: (عادا كفروا)
وأوسطه عند بقية الحروف.
وهي "الصاد" المهملة، ومن ذلك:
قوله تعالى: (ينصركم)
وقوله تعالى: (أن صدوكم)
وقوله تعالى: (ريحا صرصرا)
و "الذال" المعجمة، ومن ذلك:
قوله تعالى: (منذر)
وقوله تعالى: (من ذكر)
وقوله تعالى: (سراعا ذلك)
و"الثاء" المثلثة، ومن ذلك:
قوله تعالى: (منثورا)
وقوله تعالى: (من ثمره)
وقوله تعالى: (جميعا ثم)
و "الجيم"، ومن ذلك:
قوله تعالى: (أنجيناكم)
وقوله تعالى: (إن جاءكم)
وقوله تعالى: (شيئا جنات)
و "الشين" المعجمة، ومن ذلك:
قوله تعالى: (ينشر لكم)
وقوله تعالى: (لمن شاء)
وقوله تعالى: (عليم شرع)
و "السين" المهملة، ومن ذلك:
قوله تعالى: (منسأته)
وقوله تعالى: (أن سيكون)
وقوله تعالى: (عظيم سماعون)
و "الزاي"، ومن ذلك:
قوله تعالى: (فأنزلنا)
وقوله تعالى: (فإن زللتم)
وقوله تعالى: (يومئذ زرقا)
و "الفاء"، ومن ذلك:
قوله تعالى: (انفروا)
وقوله تعالى: (وإن فاتكم)
وقوله تعالى: (خالدا فيها)
و "الضاد"، ومن ذلك:
قوله تعالى: (منضود)
وقوله تعالى: (إن ضللت)
وقوله تعالى: (قوما ضالين)
و "الظاء"، ومن ذلك:
قوله تعالى: (انظروا)
وقوله تعالى: (من ظهير)
وقوله تعالى: (ظلا ظليلا)
والغنة تتناسب في تفخيمها أو ترقيقها، مع درجة تفخيم حرف الإخفاء أو ترقيقه، فإذا كان حرف الإخفاء مفخما، كالصاد والقاف والكاف والضاد والطاء، وهي من حروف: (خص ضغظ قظ)، فإن الغنة تكون مفخمة، وإذا كان مرققا كالتاء والدال، فإن الغنة تكون مرققة.
وينبه الشيخ الضباع، رحمه الله، إلى أنه يجب على القارئ أن يحترز في حالة إخفاء "النون" من أن يشبع الضمة قبلها أو الفتحة أو الكسرة، لئلا يتولد من:
الضمة واو، كما في قوله تعالى: (كنتم)، لأن إشباع الضمة يغير الكلمة إلى: (كونتم)
والفتحة ألف، كما في قوله تعالى: (عنكم)، لأن إشباع الفتحة يغير الكلمة إلى: (عانكم)
والكسرة ياء، كما في قوله تعالى: (منكم)، لأن إشباع الكسرة يغير الكلمة إلى: (مينكم)
وليحترز أيضا من إلصاق اللسان فوق الثنايا العليا عند إخفاء "النون"، لأن ذلك يؤدي لإظهار النون، فمخرجها طرف اللسان مع أعلى الثنايا، وإلصاق طرف اللسان بأعلى الثنايا، يؤدي إلى إظهار النون حتما، وهذا خلاف المطلوب هنا، فالمطلوب إخفاؤها لا إظهارها، فيجب أن يتوقف طرف اللسان عن الارتفاع، عند الإتيان بالنون في حالة الإخفاء قبل تماسه مع أعلى الثنايا، والله أعلم.
¥