ومن اعتبر "اللام" فقط، كسيبويه، رحمه الله، قال بأن الهمزة: همزة وصل، أتي بها ليتوصل إلى نطق اللام الساكنة، عند البدء بها، لأن البدء بالساكن، كما تقدم، أمر مستقبح في لغة العرب، وقد يرد على ذلك: القول بأن تحريك الساكن نفسه أولى من الإتيان بمتحرك قبله، فإذا كانت اللام ساكنة، فلم لا تحرك هي دون أن يلجأ إلى النطق بهمزة وصل متحركة قبلها، والجواب: أنها لو حركت إلى الكسر لالتبست بلام الجر، لأنها مكسورة دوما، ولو حركت إلى الفتح لالتبست بلام الابتداء، ولو حركت إلى الضم لكان هذا خروجا على لغة العرب، فضم اللام في أول الكلام مما لا نظير له في لغة العرب، والله أعلم. بتصرف من "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل"، للشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، (1/ 148).
وكما سبق، فإن اللام تظهر إذا أتى بعدها أحد حروف: (ابغ حجك وخف عقيمه)
وهو ما أشار إليه الناظم، رحمه الله، بقوله:
قبل "أربع" مع "عشرة" خذ علمه ******* من (ابغ حجك وخف عقيمه)
ومن ذلك:
قوله تعالى: (الأول)
قوله تعالى: (البر)
قوله تعالى: (الغني)
قوله تعالى: (الحليم)
قوله تعالى: (الجنة)
قوله تعالى: (الكبير)
قوله تعالى: (الودود)
قوله تعالى: (الخبير)
قوله تعالى: (الفتاح)
قوله تعالى: (العليم)
قوله تعالى: (القيوم)
قوله تعالى: (اليقين)
قوله تعالى: (الملك)
ولفظ (الهادي)، ولم يضعه الشيخ الضباع، رحمه الله، في شرحه، بين قوسي الآية المعروفين.
وأما حكمها الثاني فهو: الإدغام، وهو ما أشار إليه الناظم، رحمه الله، بقوله:
ثانيهما: إدغامها في "أربع" ******* و "عشرة" أيضا فرمزها فع
فمع بقية الأحرف، تدغم هذه اللام فيها، بحيث تسقط من اللفظ، وينطق بالحرف التالي لها مشددا، كقولك: الشمس، فلفظك بها يكون: أشمس، بهمزة وصل إذا بدأت بها الكلام، فشين مشددة مباشرة، مع إسقاط "اللام" من اللفظ.
وأما إذا جاءت في وسط الكلام كقولك: رأيت الشمس بازغة، فإن همزة الوصل واللام، كليهما، يسقط من اللفظ ويكون لفظك: رأيتشمس بازغة، فبعد التاء تأتي الشين المشددة مباشرة، والله أعلم.
ووجه الإدغام في هذه الحالة: التسهيل، بحيث يسهل النطق باللفظ دون كلفة، وهذا يظهر جليا عند محاولة إظهار اللام في مثل لفظ: الشمس، ففيه من الكلفة والخروج عن مألوف النطق ما فيه، والله أعلم.
وأما أحرف الإدغام فجمعها الناظم، رحمه الله، في هذا البيت:
طب ثم صل رحما تفز ضف ذا نعم ******* دع سوء ظن زر شريفا للكرم
بحيث يؤخذ من كل كلمة من كلمات البيت الحرف الأول منها، ومن ذلك:
قوله تعالى: (الطامة)
وقوله تعالى: (الثواب)
وقوله تعالى: (الصادقين)
وقوله تعالى: (الراكعين)
وقوله تعالى: (التوابين)
وقوله تعالى: (الضالين)
وقوله تعالى: (والذاكرين)
وقوله تعالى: (الناصحين)
وقوله تعالى: (الدين)
وقوله تعالى: (السائحون)
وقوله تعالى: (الظالمين)
وقوله تعالى: (الزجاجة)
وقوله تعالى: (الشاكرين)
وقوله تعالى: (الليل)
وخرج بقيد "أل" المعرفة، "أل" الموصولة، في مثل قول الشاعر:
وما أنت بالحكم الترضى حكومته ******* ولا الأصيل ولا ذي الرأي والجدل
أي: ما أنت بالحكم الذي ترضى حكومته.
و "أل" الزائدة:
كقول الشاعر:
من القوم الرسول الله منهم ******* لهم دانت رقاب بني معد
وقول الآخر:
باعد أم العمرو من أسيرها ******* حراس أبواب لدى قصورها
وعند التحقيق لا يظهر كبير فرق، لأن المراد هنا ليس تحديد نوع "أل"، حتى يمكن الاستفادة من ذلك نحويا أو بلاغيا، وإنما المراد معرفة كيفية التلفظ، والقارئ قد ينطق اللفظ صحيحا دون معرفة معناه، وإن كان لفظا قرآنيا، فبعض ألفاظ القرآن قد تشكل على الأعاجم من المسلمين، الذين لا دراية كبيرة لهم بلغة العرب، بل قد تشكل على كثير من العرب، أصحاب اللغة في زماننا الحاضر، ومع ذلك ينطقونها نطقا سليما، فتحديد نوع "أل" هل هي معرفة، بضم الميم وكسر العين، كقوله تعالى: (زين للناس حب الشهوات)، أو موصولة كقوله تعالى: (والسارق والسارقة) أي والذي سرق والتي سرقت، أو زائدة كما في لفظ: (الرسول) ولفظ (العمرو) في البيتين السابقين، أو لبيان الجنس كقوله تعالى: (وجعلنا من الماء كل شيء حي)، أو للاستغراق كقوله تعالى: (إن الإنسان لفي خسر)، أو للمح الصفة كقولك: رأيت الفضل بن محمد، .............. الخ، تحديد كل ذلك، وإن كان مهما لدارس علوم الشريعة، وبالأخص علوم النحو والبلاغة، فإنه لا يلزم دارس علم التجويد، لأنه سيأتي على سبيل المثال لينطق: وما أنت بالحكم الترضى حكومته، فيدغم اللام في التاء، ويشدد التاء في لفظ "الترضى"، فيكون نطقه: أترضى، فلا يعنيه نوع "أل"، وإنما يكفيه نطقها نطقا سليما، والله أعلم.
وللشيخ الضباع، رحمه الله، رأي ينقض ما سبق، لأنه رأى جواز إظهار اللام أو إدغامها في غير "أل" المعرفة، وعليه يجوز أن ينطق باللام في لفظ "الترضى"، ويجوز أن يخفيها، وهنا يظهر فرق يستدعي معرفة نوع اللام، فإذا ما كانت موصولة أو زائدة، جاز فيها كلا الوجهين، الإظهار والإدغام، والله أعلم.
وقد اصطلح العلماء على تسمية اللام في حالة الإظهار بـ: "اللام القمرية"، تشبيها لها بلام القمر، بجامع الظهور في كل، وفي حالة الإدغام بـ: "اللام الشمسية" تشبيها لها بلام الشمس، بجامع الإدغام في كل، وإلى هذا أشار الناظم، رحمه الله، بقوله:
واللام الاولى سمها "قمرية" ******* واللام الاخرى سمها "شمسية"
منحة ذي الجلال ص78.
والله أعلى وأعلم
يتبع إن شاء الله
¥