أي إن اتفق الحرفان، مخرجا، وصفة، فوصف "المثلين" فيهما أحق، ولا يكون ذلك، عند التحقيق إلا في حالة تماثل الحرفين اسما ورسما، أي أنهما بالفعل متماثلان، تماثلا كاملا:
كالباءين في:
قوله تعالى: (اذهب بكتابي)، مع ملاحظة أنه في هذا المثال: الحرف الأول ساكن، والثاني متحرك، فيأخذ المثلان هنا وصفين إضافيين، هما: "الصغير"، فيقال بأن حكمهما: "مثلين صغير".
و"الإدغام"، فيقال بأنهما مثلان صغيران يجب فيهما الإدغام، ويكون نوع الإدغام هنا: "إدغام مثلين صغير"، ويستثنى من ذلك ما إذا كان أولهما حرف مد، فحرف المد: حرف ساكن، والذي بعده متحرك، فتحققت صورة المثلين الصغير، في نحو:
قوله تعالى: (في يومين)، فياء المد الطبيعي الساكنة في: "في" يليها ياء متحركة.
وقوله تعالى: (قالوا وهم)، فواو المد الطبيعي الساكنة في: "قالوا" يليها واو ساكنة.
ومع تحقق شروط المثلين الصغير إلا أن الإدغام لا يصح في هذين الموضعين لأن السكون هنا سكون اصطلاحي، لا لفظي، فحقيقته تؤول إلى الكسر في الآية الأولى، وإلى الضم في الآية الثانية، لأن حرف المد الساكن يأخذ حركة الحرف المتحرك الذي يسبقه، فكأن الحرفين في الحقيقة متحركان، "والله أعلم.
وقوله تعالى: (يذهب بالأبصار)، مع ملاحظة أن الحرفين متحركان، فيأخذ المثلان هنا وصفين إضافيين هما: "الكبير"، فيقال بأن حكمهما: "مثلين كبير".
و "الإظهار" عند الجمهور، و"الإدغام " في أحد الوجهين عن "أبي عمرو"، و "يعقوب".
وكالتاءين في:
قوله تعالى: (ربحت تجارتهم)، فالتاء الأولى ساكنة والثانية متحركة، فيكون الحكم: "إدغام مثلين صغير".
وقوله تعالى: (الموت تحبسونهما)، فالتاءان متحركان، فيكون حكمهما: "مثلين كبير"، وإظهاره واجب عند الجمهور.
وكاللام في:
قوله تعالى: (بل لا يخافون)، فاللام الأولى ساكنة والثانية متحركة، فيكون الحكم: "إدغام مثلين صغير".
وكالميمين في:
قوله تعالى: (الرحمن الرحيم * مالك يوم الدين)
عند وصل "الرحيم" بـ "مالك"، وكلاهما متحرك فيكون الحكم "إدغام مثلين كبير"، وإظهاره واجب، ولكن هذا التخريج مقتصر على قراءة حفص فقط، خلاف بقية القراءات، حيث يقف القارئ على ميم "الرحيم"، فيسكنها، ويمد مدا عارضا للسكون (2 أو 4 أو 6 حركات، كما سيأتي إن شاء الله)، ثم يدغمها في ميم "مالك"، والله أعلم.
ثم انتقل الناظم، رحمه الله، إلى الكلام على المتقاربين، فقال:
وإن يكونا مخرجا تقاربا ******* وفي الصفات اختلفا يلقبا
متقاربين .....................
ففي البيت "تضمين"، وهو الإتيان بما يتم معنى بيت في بيت تال له، وهو مما يعاب في النظم، وعذر الناظم، رحمه الله، أنه لم يؤلف هذا النظم كنظم الشعراء، وإنما نظمه كبقية المنظومات العلمية، لبيان مسائل علمية، فالشعر فيها تابع لا متبوع، وخادم لا مخدوم، والله أعلم.
فالمتقاربان: حرفان تقارب مخرجاهما، ولم يتحد، واختلفت صفاتهما، ومن ذلك:
قوله تعالى: (قد سمع)
فالدال والسين متقاربا المخرج:
فالدال مخرجها: طرف اللسان مع ما يقابله من أصلي الثنيتين العليين مصعدا إلى جهة الحنك الأعلى، وحروف هذا المخرج يقال لها: "نطعية"، لخروجها من نطع الغار أي سقفه. "منحة ذي الجلال"، ص25.
وأما السين فمخرجها: طرف اللسان وفويق الثنيتين السفليتين، ويقال لحروف هذا المخرج: "أسلية"، لخروجها من أسلة اللسان: أي ما دق منه ومن بين الثنايا.
وبهذا يتضح أن مخرجي الدال والسين متقاربان، فكلاهما من حروف طرف اللسان، ولكن الدال تتعلق بالثنيتين العلويتين، وسقف الحنك، وأما السين، فتتعلق بفويق الثنيتين السفليتين، المقابلتين للعلويتين
وأما صفاتهما فهي مختلفة:
فالسين حرف مهموس، من حروف: "سكت فحثه شخص"، والهمس هو: خفاء الصوت بالحرف لضعفه بسبب جريان النفس معه حالة النطق به، والدال غير مهموسة، فهي من الحروف الجهرية.
والدال من الحروف الشديدة، لأنها من حروف "أجد قط بكت"، بينما السين من الحروف الرخوة.
والدال من حروف القلقلة: (قطب جد)، والسين لا قلقلة فيها.
والسين من حروف الصفير: "الصاد والزاي والسين"، والدال لا صفير فيها.
¥