وقوله تعالى: (بريء)، فياء المد متبوعة بالهمز المتطرف.
ثانيا: أن يكون حرف المد في آخر كلمة والهمزة أول كلمة أخرى، وهذه هي صورة المد المنفصل، ومن ذلك:
قوله تعالى: (بما أنزل)، فألف المد في "بما" متبوعة بالهمز الذي جاء في أول الكلمة التالية: "أنزل".
وقوله تعالى: (قوا أنفسكم)، فواو المد في "قوا" متبوعة بالهمز الذي جاء في أول الكلمة التالية: "أنفسكم".
وقوله تعالى: (في أمها)، فياء المد في "في" متبوعة بالهمز الذي جاء في أول الكلمة التالية: "أمها".
ثالثا: أن تتقدم الهمزة على حرف المد، وهذه صورة مد البدل، وهو كالمد الطبيعي، يمد بمقدار حركتين، عند غير ورش، رحمه الله، كما سيأتي إن شاء الله، ومن ذلك:
قوله تعالى: (ءامن)، فالهمز قد سبق ألف المد.
وقوله تعالى: (أوتي)، فالهمز قد سبق واو المد.
وقوله تعالى: (إيمانا)، فالهمز قد سبق ياء المد، والله أعلم.
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص94_95.
ومن المسائل التي تحسن الإشارة إليها قبل الخوض في بيان أنواع المد، مسألة مقاديره، بشكل إجمالي، ومن ثم يأتي تفصيلها عند بيان كل نوع إن شاء الله، لأن لكل نوع مقدارا معينا، فهي إجمالا:
ست حركات: وهي أعلاها، وتكون في المد اللازم وما يندرج تحته كمد الفرق وجوبا، والمد المتصل عند ورش وحمزة رحمهما الله، والمد المتصل إن تطرف ووقف القارئ عليه عند عاصم رحمه الله، والمد المنفصل عند ورش وحمزة رحمهما الله جوازا، والمد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون جوازا.
والحركة مقدار ضم الإصبع، وهي تختلف بطبيعة الحال تبعا لطريقة التلاوة، فلا يتصور أن مقدار الحركة عند من يقرأ بقراءة التحقيق المتأنية، هو نفس مقدارها عند من يقرأ بقراءة الحدر السريعة، والله أعلم.
خمس حركات: وتكون في المد المتصل وجوبا، والمنفصل ومد الصلة الكبرى جوازا، ويطلق على هذا المقدار: "فويق التوسط".
أربع حركات: وتكون في المد المتصل، في أحد أوجهه، وجوبا، والمنفصل والمد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون جوازا، ويطلق على هذا المقدار: "التوسط".
حركتان: وتكون في المد الطبيعي وما يندرج تحته كمد الصلة الصغرى ومد العوض ومد التمكين، ومد البدل عند غير ورش، رحمه الله، والمد المنفصل والمد العارض للسكون ومد اللين العارض للسكون ومد الصلة الكبرى إن قصرتها، على تفصيل يأتي لكل ذلك إن شاء الله.
ثم شرع الناظم، رحمه الله، في بيان أول الأنواع، فقال:
فواجب إن جاء همز بعد مد ******* في كلمة وذا بمتصل يعد
فالمد المتصل صورته: أن يأتي بعد حرف المد همز في نفس الكلمة، سواء تطرفت الهمزة، أي جاءت في آخر الكلمة، كما في:
قوله تعالى: (جاء)، وقوله تعالى: (سيئ)، وقوله تعالى: (قروء).
أو لم تتطرف، كما في:
قوله تعالى: (أولئك).
وأما حكمه: فهو الوجوب شرعا، لوروده نصا عن ابن مسعود رضي الله عنه.
يقول ابن الجزري رحمه الله: (تتبعت قصر المتصل، فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة)، وهذا استقراء كامل من إمام معتمد في هذا الفن، فلا محيد عنه، والله أعلم.
يقول الشيخ الضباع رحمه الله:
وله، أي المد المتصل، محل اتفاق ومحل اختلاف:
فمحل الاتفاق: هو أن القراء اتفقوا على اعتبار أثر الهمزة، وهو الزيادة المسماة بالمد الفرعي. اهـ.
فلا يوجد قارئ إلا وقد اعتبر هذا الأثر، ولو بحركة واحد زائدة عن مقدار المد الطبيعي كما سيأتي إن شاء الله.
ومحل الاختلاف هو: تفاوتهم في مقدار تلك الزيادة، على حسب مذاهبهم فيه:
فأطولهم مدا: "ورش" و"حمزة"، رحمهما الله، وقدر بثلاث ألفات، والألف هنا هي: ألف المد، ومقدار مدها في حالة المد الطبيعي: حركتان، فيكون المجموع 3 * 2 = 6 حركات، وهذا حالهما في المنفصل، فهما أطول الناس مدا في البابين، والله أعلم.
ثم عاصم، رحمه الله، بألفين وألفين ونصف، (أي أربع أو خمس حركات)، وإن تطرف الهمز ووقف القارئ عليه، كما في قوله تعالى: (والسماء)، زيد في الحركات حركة واحدة فأصبحت ست حركات.
ثم الشامي وعلي، رحمهما الله، بألفين، (أي أربع حركات).
ثم قالون وابن كثير وأبو عمرو، رحمهم الله، بألفين وألف ونصف، (أي أربع أو ثلاث حركات)، وهذا أقل ما ورد في هذا النوع، والله أعلم.
والحاصل بالنسبة لمن يقرأ بقراء حفص عن عاصم، كما هو الحال عندنا في مصر وفي المشرق، أنه يمد المتصل (أربع أو خمس حركات)، إلا إن تطرف الهمز ووقف القارئ عليه فإنه يمد: (ست حركات)، والله أعلم.
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص97.
مسألة:
وجه المد في هذا النوع: أن حرف المد ضعيف والهمز قوي صعب، لأنه من حروف الحلق، وهي أشد الحروف، فزيد في المد تقوية للضعيف عند مجاورة القوي، فكأن المد عماد لحرف المد الضعيف ليقوى على النهوض أمام الهمز القوي.
وقيل: ليتمكن من النطق بالهمزة على حقها من شدتها وجهرها، فكأن المد هنا لمراعاة الأقوى لا الأضعف، لأنه يخشى من سريان الضعف من حرف المد إلى الهمزة المجاورة له عند النطق.
وقيل: ليستعان به على النطق بالهمزة، وليكون صونا لحرف المد عن أن يسقط عند الإسراع لخفائه وصعوبة الهمز، فكأن هذا القول قد جمع القولين السابقين فراعى ضعف حرف المد، وشدة الهمز، والله أعلم.
وأما وجه التفاوت في مراتب المد فلأجل مراعاة سنن القراءة، فالقراءة سنة متبعة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وكل قارئ يلتزم في قراءته بما صح إسناده عنده.
بتصرف من "منحة ذي الجلال" ص97.
والله أعلى وأعلم.
يتبع إن شاء الله.
¥