ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[22 - 10 - 2006, 05:00 ص]ـ
السلام عليكم ..
أستاذي الكريم وأخي الحبيب عبد الرحمن السليمان - لا حرمنا الله من علمك ..
أنا لستُ متخصّصاً في اللغويات .. ولذلك أحببتُ أنْ لو فصّلتَ لنا القول في هذه المسألة لأهميّتها ..
وإنّ الذي دعاني إلى التريّث هاهنا هو الكلمة لوغوس ( Logos) نفسها .. إذ إنّ من معانيها في اليونانية: الكلام، والنظام، والذكاء، وملكة الاستدلال، والحكم، والعلّة، والمبدأ، والأساس، والنسبة أو العلاقة الرياضية. ثمّ إنّها أقرب إلى أنْ تكون في الاصطلاح: التفكير المنطقي الذي يتّصف بالتنظيم!!
ولعلّ هذا هو السبب من وراء إصرار بابا الفاتيكان في محاضرته الأخيرة على ربط معنى "الكلمة" بالمصطلح الإغريقي "لوغوس: العقل والكلمة"، إلى جانب التفسير التقليدي الذي أشرتَ إليه بارك الله فيك، وهو: "كلمة الله الخلاقة" ..
ولكن ألا يمكن هنا الاستدلال بحديث سيد الفصحاء، وإمام البلغاء، نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أفصح مَن نطق بالضاد؟ فقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال يوم الجمعة: صَهْ، فقد لغا"، أي: تكلّم! قال الحافظ: لا بأس بإسناده. وفي المعجمات: أنّ اللّغة فُعْلَةٌ من لغوت، أي: تكلّمت، وأصلها: لٌغْوة.
ولعلّ الفرق بين اللّغة واللّسان ما أشار إليه الأستاذ الفاضل أبو طارق، وهو أنّ اللّسان أعمّ من اللّغة، بمعنى أنّ اللّغة ركن من اللّسان، وهو ما بيّنه ابن خلدون في تاريخه، وعقد له فصلاً بعنوان: الفصل الخامس والأربعون: في علوم اللّسان العربي: أركانه أربعة: اللّغة والنّحو والبيان والأدب.
وعلى هذا فقد تكون اللّغة شيئاً يشترك فيه جميع البشر نظراً لأدوات التفكير التي تشترك فيها الإنسانية، بينما اللّسان هو ثمرة جهد جماعيّ في تنظيم هذه اللغة. بمعنى أنّ اللّسان هو اللّغة مضافاً إليها ما نعرفه بالجانب الثقافي أو الحضاري الذي يمثّلها ويتمثّل من خلالها.
ولعلّ هذا الفرق يظهر جليّاً في قضيّة الترجمة. وقد توافقني الرأي - أستاذي الفاضل - إنْ قلتُ بأنّ الترجمة هي نقل من لسان إلى آخر، وليس من لغة إلى أخرى، وأنّ عدم الوعي الكامل لكثير من المترجمين بهذه الجزئية، هو السّبب في وجود مترجم بارع، وآخر رديء!
فما رأيكم بارك الله فيكم؟
ـ[عبدالرحمن السليمان]ــــــــ[22 - 10 - 2006, 06:06 ص]ـ
أخي الحبيب الأستاذ لؤي أيده الله،
شرحك للفرق بين ''لسان'' و''لغة'' صائب أخي الفاضل، وميزه العرب منذ القدم بتفريقهم بين اللغو والكلام المفيد، وأيدهم في ذلك علم اللغة الحديث، فلقد قسم العالم السويسيري دي سوسور الأصوات اللغوية إلى نوعين: ''الكلام المفيد'' ( langue) و''الكلام عموما'' ( parole)، وهو أي شيء يتحدث به الإنسان، مفيدا كان أم غير مفيد.
وأما معاني الكلمة اليوناني الكثيرة التي سقتها فهي مما اكتسبته الكلمة على مر الزمان حتى بعد توقف اليونانية القديمة عن الإنتاج. فكلمة ''لوغوس'' أصبحت في الفكر الأوربي لفظة ثقافية تعبر عن منظومة ثقافية معقدة، وما كانت قط هكذا أيام قدامى الإغريق!
وفي الحقيقة إن اعتبار الكلمة يوناينة الأصل فيه نظر لانعدام الدليل القاطع على يونانيتها. وإذا انعدم الدليل القاطع على أعجميتها، رغم وجود الادعاء القوي على ذلك، فلا مسوغ لاعتبارها أعجمية، حتى وإن استمر الادعاء، لأن في ذلك شططا كبيرا. وإنما نقلت أنا رأيا في أصل الكلمة يعضده شبه إجماع على يونانيتها، والاعتراض على ذلك ليس أقل قوة من الادعاء ذاته. وهذه هي المشكلة الكبرى في معالجة الكلمات المختلف في أصلها ومنها كلمة ''لغة''.
أما بخصوص الترجمة فما قلته أنت ـ حفظك الله ـ هو عين الصواب لأن النقل عندما لا يكون من لسان إلى لسان ـ بالمفهوم الأشمل لكلمة ''لسان'' ـ فإنه يجعل الترجمة مضطربة وعباراتها ''قلقة'' كما قال السلطان أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن الموحدي في معرض تعليقه على ترجمات أرسطو، الشيء الذي جعله يدعو ـــ كما جاء في كتاب ''المعجب في تلخيص أخبار المغرب'' ـــ الفيلسوف الشهير ابن رشد لشرحها ''باللسان العربي'' وذلك من أجل ''رفع القلق'' عن عباراتها! فأي قلق يلحق عبارات الترجمة إذا كانت من لغة إلى لغة، وليس من لسان إلى لسان، أقصد من ثقافة إلى ثقافة؟!
هذا وللحديث بقية إن شاء الله، فلقد حان وقت السحور، واليوم ـ وهو اليوم الأخير من أيام رمضان المعظم فيما يُظن ـ هو دور محسوبك في إطعام الذرية الصائمة!
وأرجو ألا نكون أثقلنا على أخينا أبي طارق بهذا النقاش الجانبي!
آنسك الله وأمتع بك.
أخوك عبدالرحمن.
ـ[لؤي الطيبي]ــــــــ[22 - 10 - 2006, 06:40 ص]ـ
الأستاذ الفاضل والأخ الحبيب عبد الرحمن السليمان ..
بارك الله فيك، ونفع بعلمك، وجعلك ذخراً لطلاب العلم وطالبيه ..
سحوراً شهياً - أخي الكريم - وصياماً مقبولاً إنْ شاء الله ..
والله أسأل أن يجعل إطعامك للذرية الصائمة في ميزان حسناتك ..
وكل عام وأنتم بخير ..
¥