ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[14 - 11 - 2006, 10:38 ص]ـ
يذهب الكثير من أبناء الجماعات والأحزاب الإسلامية في هذه الأيام إلى وجوب وجود أحزاب في الأُمة ويعتبرونه ظاهرة صحية لا يتم حمل الدعوة الإسلامية إلا من خلالها، بل وأبعد من ذلك قالوا: إنّ دولة الخلافة لا تُقام إلا بحزب.
أمّا الحزب لغة: فهو جماعة الناس، والحزب: الجماعة، والحزب: الطائفة، والحزب: جُند الرجل وأصحابه الذين على رأيه، وهذا يعني أنه لا فرق بين الحزب والجماعة عند من يرى نفسه جماعة لا حزباً، إلا أن يقال بأنّ الحزب أخص من الجماعة، ولم نجد على ذلك أثارة من لغة.
أمّا أبرز الأدلة التي يعتمدون عليها في هذه الدعوى، فقوله تعالى (ولتكن منكم أُمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأُولئك هم المفلحون) وقاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) وكون النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- أقام حزباً في العهد المكي.
أمّا بالنسبة للآية الكريمة فلا علاقة لها بوجوب إنشاء أحزاب لا لإقامة خلافة ولا لغيره في الرأي الراجح، وذلك للاعتبارات التالية:
أولا: هذه الآية مدنية لا مكية، أي نزلت في المدينة بعد إقامة الدولة الإسلامية، فلو كان لها علاقة بطريقة إقامة الدولة لنزلت في العهد المكي لا المدني، فلا يصح إدخالها على هذه الطريقة.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[14 - 11 - 2006, 10:40 ص]ـ
ثانيا: إنّ الآية ظنية الدلالة، فكما أنّ قوله تعالى (منكم) تفيد التبعيض عند البعض كالبيضاوي والقرطبي وغيرهما، فإنها تفيد بيان الجنس عند البعض الآخر كأبي جعفر النحاس و الرازي وغيرهما، وهذا يعني أنّ الآية محتملة لهذه الوجوه والاحتمال لا يقوم به استدلال أُصولاً لأنه ترددٌ بين أمرين من غير مُرجّح وهو أقل من الظن وأقرب إلى الشك، فكيف به وهنالك احتمال يعارضه، فلا تقوم به حجة من باب أولى إلا بمرجح شرعي، وترجيح أن تكون (منكم) للبيان لا للتبعيض أقوى لأنها تتفق مع قوله تعالى (كنتم خير أُمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله) وهذا عامٌّ لكل الأُمة، وتتفق أيضاً مع كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرضاً على جميع المسلمين كما في الحديث الصحيح (من رأى منكم منكراً فليغيره) فقوله (مَن) في هذا الحديث هي من ألفاظ العموم، أي كل من رأى بحزب أو بغير حزب، فرداً كان أو جماعة وتتفق مع.
ويتفق كونها لبيان الجنس لا للتبعيض أيضاً مع (منكم) في قوله تعالى (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض) فالاستخلاف والتمكين عامٌّ لكل من آمن وعمل صالحاً لا لبعض من آمن وعمل صالحاً، وإلا لتوقف الوعد بعد تحققه لبعض الأُمة في زمن الصحابة -رضي الله عنهم-.
ثالثا: لو كانت الآية تفيد فَرْضية إيجاد حزب أو أحزاب، لما خفي ذلك على أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- لأنه لم يثبت أنهم -رضي الله عنهم-
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[14 - 11 - 2006, 10:40 ص]ـ
أنشأوا أحزاباً طيلة حياتهم، ومحال أن يتركوا فرضاً فرضه الله تعالى عليهم أو أن يكونوا جهلوه وهم يتلون الآية آناء الليل وأطراف النهار.
فإنْ قيل بأنهم كانوا يشكلون أحياناً مجموعات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر كجماعة بلال حين وقفوا لعمر-رضي الله عنهم- يوم أرادوا توزيع السواد.
الجواب عليه:
ليس فيه أنهم أنشأوا أحزاباً بالمفهوم السائد اليوم، أضف إلى ذلك بأنّ عمر-رضي الله عنه- قد دعا عليهم فقال (اللهم اكفني بلالاً وصحبه) ولم يُنكِر عليه أحد، فلو كان الأمر سائغاً أو واجباً لما جاز لعمر أن يدعو عليهم فيستجيب الله له، فإنه لم يمض عليهم عام إلا وقد ماتوا جميعاً على ما جاء في سنن البيهقي.
ثم الكلام عن أحزاب سياسية لإقامة الخلافة في الدرجة الأُولى لا عن أي حزب فلا يصح هذا المثال دليلاً على فرضية إيجاد الحزب بهذا المفهوم إضافة لما تقدم.
رابعا: على فرض أنّ آية (ولتكن منكم أُمّة) تحتمل أنها للتبعيض وانه لا يوجد ما يعارضها من الاحتمالات، إلا أنه ليس فيها مطلقاً أنّ الدولة لا تقوم إلا بحزب، وخصوصاً وإنها مدنية لا مكية كما تقدم، أي لا علاقة لها بأحكام الطريقة في كيفية إقامة الدولة.
ـ[نائل سيد أحمد]ــــــــ[14 - 11 - 2006, 10:41 ص]ـ
خامساً: إن وجود الأحزاب في الأُمة بمفهومه المعاصر يعني تعدد القيادة في الأُمة، فإنّ لكل حزب قيادته، ولكل قيادة مفاهيم وآراء وأهداف وغايات تخالف قيادات الأحزاب الأُخرى، وإن كل أمير حزب أو جماعة يأمر أتباعه بطاعته وعدم طاعة غيره، بل ومخالفة غيره، مما يعني أن هذه التعددية تخالف مفهوم فردية القيادة في الإسلام ومفهوم الوحدة والائتلاف.
أمّا بالنسبة لقاعدة (ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب) فإنها فوق كونها ليست دليلاً برأسها بل هي رأي مستنبط كأي رأي اجتهادي آخر، فإنها لا تنطبق على هذه الدعوى وذلك للوجوه التالية:
أولا: لا يوجد أي دليل يدل على أنّ دولة الخلافة لا تقام إلا بحزب فيأخذ الحزب حكم الدولة في الوجوب عملاً بالقاعدة المذكورة، فلا هو سبب، ولا هو شرط، ولا هو علة، فلا وجوب فيه، وكل ما قيل فيه هو تأويلات عقلية منطقية خالية من الفقه وأُصوله، فلا ترقى إلى مستوى الأدلة.
ثانيا: إنّ القول بأنّ الخلافة لا تقوم إلا بحزب عملاً بهذه القاعدة، فإنه فوق كونه من غير دليل وإنّ القاعدة لا تنطبق عليه، فإنه يصطدم مع الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ويصطدم مع الواقع.
أمّا اصطدامه مع الخبر: فذلك خبره -صلى الله عليه وسلم- عن خليفة آخر الزمان محمد بن عبد الله المهدي صاحب الخلافة الثانية على منهاج النبوة، فإنه لم يثبت أنه -رضي الله عنه- يُنشئ حزباً لذلك، بل الذي ثبت أنّ أهل الحل والعقد في الأُمة من أبدال وعصائب ونجباء، يأتون إلى مكة على
¥