جمع بعضهم العلل المانعةَ من الصرفِ فقال:
اجمع وزن عادلاً أنِّث بمعرفةٍ*ركِّب وزد عجمةً فالوصف قد كَمُلا
وجمع أحدهم زوجات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ترتيب زواجه منهنَّ فجعل أوائل حروف أسمائهن في كلمات فقال:
خليلي سبا عقلي حلا زين هالةٍ
زها جفنها رمزاً صحيحاً مهذباً
ووضع صفي الدين الحلي رحمه الله لكل بحر من البحورِ بيتاً يُضْبَطُ به وزنه-إلا البحر المحدث- فقال في السريع:
بحرٌ سريعٌ مالهُ ساحلُ
وفي الكامل:
مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ فَاعِلُ
كَمَلَ الجمالَ من البحورِ الكاملُ مُتَفَاعِلُنْ مُتَفَاعِلُنْ مُتَفَاعِلُنْ
ورتب بعضهم البروج حسب طلوعها فقال:
حملَ الثورُ جوزةَ السرطانِ ورعى الليثُ سُنبلَ الميزانِ
ورمى عقربٌ بقوسٍ لجديٍ نزحَ الدلوُ بِركةَ الحيتانِ
وحدثني الشيخ عماد أنّه رأى أحد المحدثين المعروفين يستخدم الربط لحفظِ تخريج الحديث، فمثلاً حديث ابن عباس رضي الله عنهما في بلوغ المرام: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم:< كان يغتسل بفضل ميمونة رضي الله عنها> أخرجه مسلم. فنربط بين الميم في ميمونة والميم في مسلم لنحفظ تخريجَ الحديث.
وقد نربط بين الأبواب بقصةٍ قصيرةٍ، فمثلاً لربط أبوابِ كتاب الطهارة نقول:
قام فلان يريد (الطهارةَ)، فلم يجد (ماءاً) فخرج فرأى سحابةً سوداء تمطر، فأحضر (الآنية) وملأها، ثم ذهب لـ (الاستنجاء)، فلما فرغَ بدأ من (سنن الوضوء بالسواك)، وأتبعه بـ (الوضوء) فلما أراد (المسح على خفيه) تذكر أنَّه يجب عليه (الغسل)، ولكنَّ الماء لم يكفه، فعدل إلى (التيمم)، و (أزال النجاسة) التي على ثوبه، فلما ذهب إلى المسجد، رأى امرأةً على بابه والناس يصلون، فأنكر عليها، فقالت: أنا (آخر أبوابِ الطهارةِ).
وقد نظمتُ ثلاثة أبياتٍ لضبط أبواب كتاب التوحيد بأخذ حرفٍ أو حرفين من كل بابٍ وإن كانت بعض الكلمات ليس لها معنى، وهذا بابٌ مهم، فابحث عن مثل هذه الضوابط، وإلا فضع لنفسك ضوابط، يَلينُ لك الحفظُ بها.
المراجعةُ:
لابد لكَ منها ولو كنتَ بخاريَّ زمانِك.
والعلم في الصدر كالبذرِ، والمراجعة كالريِّ والمتابعةِ، وستحتاجُ إليها كثيراً في الصغرِ وقد تستغني عنها عند الكبرِ، فلا ينقطعْ وِرْدُك من القرآن أبداً، فإن القرآن عزيز، إن لازمته أُعطيته وإن هجرته أُنسيته، كذلك اجعل لك يوماً في الأسبوع تراجع فيه ما أتقنت من المتون كي لا يبلى حفظها، فإنما الحفظ المراجعة.
الاستراحةُ:
لابد لكَ من يومٍ أو يومينِ، تستريحُ فيها من القراءةِ والحفظِ والتلقينِ، وذلكَ كلَّ أسبوعٍ.
تشتغلُ فيها بنفسكَ وأهلكَ وزيارةِ أقاربِكَ، فإنَّ هذهِ الاستراحةَ منشطةٌ لكَ في بقيةِ الأوقاتِ، وإياكَ أن تشدَ على نفسكَ فيصبحَ الطلبُ عليكَ ثقيلاً، ولا تجدُ لك على الحفظِ والفهمِ سبيلاً، واعلم أنَّ السلفَ كانوا يوصونَ بذلكَ، ولكن احذر من التراخي الشديد فإنَّه سببٌ للملل والانقطاع و (كلا طرَفَي قَصْدِ الأمورِ ذميمُ).
العُزلةُ:
فإنَّ للعلمِ أوتادٌ، هي أحدها كما أخبرني بذلك خالي عماد، فاعتزلْ العوامَّ، لا على الدوامِ، واحفظ هذا البيتَ فإنَّه ينفعُك:
لن يبلغ العلمَ بطالٌ ولا كسِلٌ ولا ملولٌ ولا من يألفُ البشرا
واعلم أنَّ مَن ألِفَ البشر أصابته وحشةٌ بفراقهم فإذا صَبَرَ نفسه عنهم تعودت
(والنفسُ كالطفلِ إنْ تتركه شبَّ على حبِّ الرضاعِ وإن تفطمهُ ينفطمِ)
ومن العزلة أن تلزم سكن الجامعة إن كنت من طلابها، ومنها الاعتكاف.
التغرُّبُ:
من أعظمِ أسبابِ العلمِ، وذلكَ لأنَّكَ تسلمُ بهِ من كثيرٍ من موانعِ العلمِ، وتبذلَ بهِ كثيراً من أسبابهِ، فمن الموانعِ التي تسلمُ منها: الاشتغالُ بالمالِ والعيالِ، (الذي قال فيه الإمام الشافعيُّ:
لا يدركُ الحكمةَ من عمرهُ يكدحُ في مصلحةَ الأهلِ
ولا ينالُ العلمَ إلا فتىً خالٍ من الأفكارِ والشغلِ
لو أنَّ لقمانَ الحكيمَ الذي سارتْ به الركبانُ في الفضلِ
بُلِي بمالٍ وعيالٍ لما فَرَّقَ بين التينِ والبقلِ)
ومن الأسبابِ التي تبذُلُها به: الإخلاص والصبر واليقين والصدق و التوكل و علو الهمة وحفظ الوقت والتلقي والعزلة.
فانظر إلى بركته وما جمعَ من الأسبابِ
(وقال أيضاً رحمه الله:
¥