[لتكن همتك همة بركانية ... رائع لعلو الهمة]
ـ[طالبة العلم سارة]ــــــــ[28 - 10 - 07, 11:40 ص]ـ
همة عالية:
إن الأمة الإسلامية أمة معطاءة، ولُودة، بارة، منتجة، فهي تقدم للمجد رجالاً، وتعطي للتاريخ قلوباً.
ومن يقول بأنها قد عقمت، فهو واهم، لأن الله يقول: " كنتم خير أمةٍ أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهلُ الكتابِ لكانَ خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ". (آل عمران: الآية 110)
فكان أبناء هذه الأمة أصحاب مجد، وهمة عالية.
كيف لا يكونون كذلك، وقد مهد لهم الأنبياء، والسلف الصالح الطريق إلى هذا المجد، وتلكم الهمة العالية؟
مر إبراهيم الخليل - صلى الله عليه وسلم - أستاذ التوحيد- بجيفة على البحر تنهشها السباع، فقال في نفسه: يا رب كيف تجمع هذه الجيفة بعد أن مزقتها السباع؟
لأن الله - عز وجل - أخذ على نفسه أن يجمع حتى الوحوش ليحاسبها يوم القيامة، ثم تكون تراباً بعد ذلك.
فسأل إبراهيم ربه فقال: " ربِّ أرِنِي كَيفَ تُحي الموتى ". (البقرة: الآية 260)
يقول: أنا أعلم أنك تحيي الموتى، ولكن بأي طريقة تحييها؟
فقال الله: " أولم تُؤمن ". (البقرة: الآية 260)
وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يشك، فلذلك قال: " بلى ولكن ليطمَئِنَّ قلْبي ". (البقرة: الآية 260)
ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: " نحن أولى بالشك من إبراهيم " (1) ويقول: " ليس الخبر كالمعاينة ". (2)
والأعيان أوضح عند الناس دائماً من الأذهان.
" قال بلى ولكن ليطمئنَّ قلبي "، فأمره الله أن يأخذ أربعة من الطير، الله أعلم بجنسها.
فأخذ أربعة طيور، وقطع رؤوسها، ونثر لحمها، وعظمها، وريشها، ثم خلطها، ثم أخذ كل رأس، فوضعه على جبل.
قال الله - سبحانه وتعالى-: " ثم ادعُهُنَّ يأتينك سعياً ". (البقرة: الآية 260)
فنزل، فدعا الطيور، فأتت الرؤوس، وتركبت مع أجسادها دون أن تضل الطريق، أو تخطىء جسمها.
ثم قال - تعالى -: " واعلم أن الله عزيز حكيم ". (البقرة: الآية 260)
لأن إبراهيم يعلم أن الله على كل شيء قدير.
والهمة في هذه الحادثة لإبراهيم - صلى الله عليه وسلم - أنه طلب زيادة اليقين، وزيادة الإيمان، وزيادة الرسوخ، فلم يمنعه الحياء من الله - تعالى - أن يثبت في هذه المسائل.
والذي يظهر من واقعة إبراهيم - عليه السلام -، أن سؤاله لربه - عز وجل -، لم يكن لزيادة إيمانه فحسب، بل كان لينقل لقومه أنه رأى هذه الطيور مجتمعة بعد تفرق، فليس من رأى كمن سمع، وإنما يزداد يقين قومه، لا يقينه، ويتوثق علم قومه، لا علمه، فإبراهيم - عليه السلام -، شيخ العقيدة، وأستاذ التوحيد، وأبو الأنبياء.
وموسى - صلى الله عليه وسلم - كان جريئاً شجاعاً، ولم يصلح لبني إسرائيل إلا هو.
كانت همته عالية، فقد كلمه الله - سبحانه -، ولكنه ما اكتفى بذلك، بل طلب من الله أن يراه، فقال: " ربِّ أرِني أنظرْ إليك ". (الأعراف: الآية 143)، قالها متشوقاً لهفاً على رؤية خالقه.
فقال - سبحانه وتعالى-: " لنْ تراني ". (الأعراف: الآية 143)
والمعتزلة يسمون " لن " هذه المؤبدة، أي أنه لن يراه لا في الدنيا ولا في الآخرة، فلذلك نفوا الرؤية.
فرد عليهم ابن مالك النحوي صاحب الألفية فقال:
ومن رأى النفي بلن مؤبداً ... فقوله اردد وسواه فاعضدا
يقول: رد قوله، وخذ عكسه.
همته - عليه السلام - أنه قال لربه: " رب أرِني أنظر إليك "
فقال الله: " لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرَّ مكانَهُ فسوفَ تراني ". (الأعراف: الآية 143)، فتجلى الله - سبحانه وتعالى- للجبل، فاندكَّ الجبل تماماً وصعق موسى.
بعد فترة استفاق وقام وهو يقول: " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
ويوم القيامة يقول - صلى الله عليه وسلم -: " ما من أحد إلا يصعق، فأكون أول من يستفيق، فأجد موسى باطشاً بالعرش، فلا أدري هل استفاق قبل، أو كفته الصعقة التي صعقها في الدنيا ". (3) يعني: هل أخذ حسابه في الدنيا أم لا.
الشاهد هو الهمة العالية التي صاحبته - صلى الله عليه وسلم -.
ورسول الله صلى الله عليه هو صاحب الهمم التي ظنها بعض الناس كالخيال.
يا صاحب الهمة العليا وهل حملت ... روح الرسالات إلا روح مختار
أعلى المناصب ما شادت لصاحبها ... من العلا والمعالي نصب تذكار
¥