تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[مدخل إلى التوسع في الموروث البلاغي والنقدي]

ـ[د. حسين الجداونة]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 11:05 م]ـ

[مدخل إلى التوسع في الموروث البلاغي والنقدي]

يندرج موضوع البحث ضمن ما أطلق عليه الدكتور يوسف بكار، "قضايا معاصرة في نقدنا القديم"، فقد نبه على كثرة الدراسات الحديثة التي تعرض لتاريخ نقدنا العربي القديم واتجاهاته، وتدرس علماً من أعلامه أو أثراً من آثاره، وقلة الدراسات والبحوث والمقالات التي ترصد ظواهره وقضاياه الفنية، وتستقريها وتكشف عن طبيعة فهم القدماء لها، مما أدى إلى كثرة الأحكام العشوائية المرتجلة على نقدنا ونقادنا سواء ما كان إيجابياً أو سليباً ().

هذه الدراسة موقوفه على مفهوم التوسع باللغة، وهو الإبداع باللغة، أي بواسطتها، وتتجاوز ما سماه يوسف بكار" الإبداع في اللغة أي الابتداع فيها" الذي عرفه العرب نقاداً وشعراء، وأجازه النقد حين أخذ بمبدأ" التوسع في اللغة" ().

فالتوسع في اللغة يتناول التغيرات التي تطرأ على بنية اللفظة المفردة من ناحية صرفية معزولة عن السياق الأمر الذي استبعدته الدراسة من مجالها، كما استبعدت التوسع الناتج عن الاشتقاق، أو التعريب أو التحريف أو اللحن وأخذت الدراسة بمبدأ التوسع الذي ينهض على مبدأ الاختيار الفني الذي يسعى إلى خلق حالة أكثر تأثيراً وجمالاً من المعيار. وترى الدراسة أن ليس ثمة تناقض بين الإختيار الفني وما أطلق عليه الضرورة االشعريةكونها سمة أسلوبية تنم على تفرد المبدع وتصرفه بلغته.

التوسع في اللغة والاصطلاح:

تشير معجمات اللغة إلى أن السعة (): نقيض الضيق، و"توسعوا في المجالس أي تفسحوا" والسعة: الجدة والطاقة"، واتسع النهار وغيره امتد وطال. والوسع: جدة الرجل, وقدرة ذات يده.

فالمعنى اللغوي يؤشر باتجاه طرفين ينتج الآخر عن الأول, أي السعة التي تتولد عن الضيق, ومن المبهر أن يكون من معاني السعة الجدة والطاقة، أي القدرة على التحمل والإنتاج والتوليد بشكل عام.

ومن المدهش ما يذكره ابن منظور عن أبي إسحاق في قوله تعالى: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم", يقول: أينما تولوا فاقصدوا وجه الله تيممكم القبلة، إن الله واسع عليم" يدل على أنه توسعة على الناس في شيء رخص لهم، قال الأزهري أراد التحري عند إشكال القبلة".

فهو يربط بين الواسع والترخص في الأمر مما يؤثر على أن السعة تدل على المسامحة. وكل هذه الدلالات اللغوية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بدلالة "التوسع" مصطلحاً, الذي يدل بشكل عام على توسيع دلالة اللفظ أو التركيب الأصلية لتشمل دلالات جديدة, وعلى الطاقة التي يحملها النص المتسع لتوليد دلالات جديدة ومتعددة, وعلى المسامحة والترخص في اختراق اللغة المألوفة والمعيارية والنمطية. مما يدل على أصالة مفهوم المصطلح عند العرب. يعزز ما نذهب إليه أن ابن جني يطلق على مفهوم التوسع (شجاعة العربية)، فقد نسبه إلى العربية وصرح بما ينطوي عليه من شجاعة في استعماله وترتبط هذه الأصالة ارتباطاً وثيقاً بما تركز عليه الدراسات النقدية المعاصرة من استخدام اللغة استخداماً خاصاً في الأعمال الأدبية والشعرية بنحو خاص، أو ما أطلقوا عليه (الانحراف) والانزياح. وتكشف طبيعة تناولهم لهذين المصطلحين عن تقاطعهما مع مصطلح التوسع، وقد صرح بعضهم بهذه العلاقة حين ترجموا المصطلح الأجنبي ( Ecart) و ( Deviation) بالتوسع أو الاتساع أو العدول ().

وأشار حمادي صمود إلى أن البلاغيين والنقاد العرب اكتشفوا "مفهوماً يعتبر من دعائم الأسلوبية, اليوم, هو مفهوم" L’ecart", وقد أشاروا إليه بوضوح في مصطلحات من قبيل "الخروج" أو "العدول" أو "التغيير", ثم فهموا أنّ من مميزات اللغة في الأدب خروجها عن مألوف العبارة ().

واشار المسدي إلى مفهوم المصطلح بأنه "تصرف في هياكل دلالات اللغة أو أشكال تراكيبها بما يخرج عن المألوف بحيث ينتقل الكلام من السمة الإخبارية إلى السمة الإنشائية أو الأدبية, ويتم ذلك بجدول التوزيع والاختيار أي العلاقات الاستبدالية" () أما الزيدي فقد أكد أن المتلفظ يعمد إلى تكسير الجملة العادية بحثاً عن تركيب" غير عادي" هو نواة أدبية الخطاب، وهو ما عبر عنه الأسلوبيون بمفهوم الاتساع Ecart( ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير