عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) ناقداً
ـ[محمد سعد]ــــــــ[20 - 08 - 2007, 02:20 م]ـ
يتمتع عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بحس أدبي ونقدي بارع، ويتذوق الشعر تذوق الملم الخبير الملهم ..
وقد نهى عن بائية غسان التي جاء فيها:
ما كل يوم ينال المرء ما طلبا = رأيت رأياً يجر الويل والحربا
لأنه راى فيها ما يخشن النفوس ويحرض على الشر ..
وسأل مرة قال: من أشعر الناس .. ؟ فذكر له بعض الشعراء .. فقال: لا بل أشعرهم الذي يقول:
أتيتك عارياً خلقا ثيابي =على خوف تظن بي الظنون
وهو يقصد النابغة الذبياني ..
ومن مواقفه النقدية رايه في زهير بن أبي سلى قال: "أنه لا يعاظل في القول ولا يمدح الرجل إلا بما فيه".
وكان محباً لشعر متمم بن نويرة الذي قتل خالد بن الوليد أخاه مالكاً في حروب الردة وطلب من متمم أن يسمعه ما قال في رثاء أخيه فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
فلما تفرقنا كأني ومالكاً =لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
فتى كان أحيا من فتاة حيية = وأشجع من ليث إذا ما تمنعا
فقال عمر ذاك والله زيد يعني أخاه زيد بن الخطاب الذي قتل في موقعة اليمامة وكان فارساً شجاعاً وكان لشجاعته حسم في معركة اليمامة
ثم إن عمر سأل متمم بن نويرة عن شدة جزعه على أخيه فقال: يا أمير المؤمنين ولدت أعور بعين جامدة يابسة لم تدمع قط!! فلما قتل مالك بكيت حتى دمعت!! فبكى عمر رضي الله عنه .. فقال متمم: وما يبكيك يا أمير المؤمنين والله لو مات أخي كما مات زيد شهيداً ما بكيته ولا رثيته .. !! فقال: والله ما عزاني أحد مثلك يا متمم.
وقصة الحطيئة حين أودع السجن حين قامت عليه الحجة من شاعر كبير .. ولم يفلح الحطيئة في الوساطة والاستعطاف إلى أن قال قصيدته المشهورة:
ماذا تقول لأفراخ بذي مرخ = زغب الحواصل لا ماء ولا شجر
فبكى عمر ثم أطلقه
وانظر إلى الحس الأدبي عند عمر (رضي الله عنه) في حكايته مع أمية بن الأسكر:
فقد كان أمية هذا شاعراً وفارساً من فرسان العرب المعدودين وقد دخل في الإسلام على كبر وقد ضعف عن الغزو والجهاد وكان له ابن اسمه كلاب كان فارساً .. وكان الراعي لوالده أمية ولكنه حبذ القتال في سبيل الله .. وذهب غازياً في جيش المسلمين فشق ذلك على أمية .. وشكا الأمر إلى عمر طالباً رد ابنه إليه فقال عمر انني لا أرد مسلماً أراد الجهاد في سبيل الله.
فقال أمية مخاطباً ابنه كلاب من قصيدة طويلة:
تركت أباك مرعشة يداه =وأمك ما تسيغ لها شرابا
فإنك والتماس العذر بعدي = كباغي الماء يتبع السرابا
ولكن ابنه لم يعد فجزع أبوه جزعاً شديد وكان قد ضعف ورقت حاله وكان عمر يوماً في المسجد فدخل عليه أمية ووقف فوق رأسه وأنشده قصيدة يقول فيها:
سأستعدي على الفاروق ربا =له دفع الحجيج الى بساق
وأدعو الله مجتهداً عليه =ببطن الأخشبين إلى دفاق
بكى عمر بكاء شديداً وكتب برد كلاب إلى المدينة فلما قدم طلب عمر أن يراه قبل أن يذهب إلى والده .. ثم سأله عمر ما بلغ من برك بأبيك .. ؟ فذكر له شيئاً من بره ثم قال: يا أمير المؤمنين كان لوالدي ناقة يشتهي حليبها وكنت أحلبها له كل ليلة وذات يوم جئت إليه وهو نائم فوقفت على رأسه لا أريد أن أوقظه حتى نهض فناولته إياه ..
فبعث عمر إلى أمية من جاء به فأقبل هو يتهادى وقد كف بصره وانحنى، فقال له كيف أنت يا أبا كلاب .. ؟ قال كما ترى يا أمير المؤمنين .. قال فهل لك من حاجة .. ؟ قال: نعم اشتهي أن أرى كلاباً فأضمه ضمة، وأشمه شمة قبل الموت .. فبكى عمر وقال ستبلغ ما تمنيت إن شاء الله .. ثم ان عمر أمر كلاباً أن يحلب ناقة كما كان يفعل، فذهب وحلبها وناول الاناء لعمر رضي الله عنه، وأبوه لا يعلم بذلك .. فأعطى عمر لأمية الحليب .. فلما قربه من فمه قال: والله يا أمير المؤمنين إني لأشم رائحة ابني كلاب في هذا الاناء .. فبكى عمر وقال هذا كلاب فوق رأسك .. فوثب إلى ابنه وجعل يضمه ويقبله وعمر يبكي ومن حضر معه.
ـ[سيبويه العرب]ــــــــ[21 - 08 - 2007, 02:03 ص]ـ
ولكني قد قرأت في مصادر عدة انه قال عن زهير انه اشعر الشعراء ولم يكن يقصد النابغه فهلا وجهتني استاذي الفاضل لمصدر التمس منه الصواب
ـ[محمد سعد]ــــــــ[21 - 08 - 2007, 02:52 ص]ـ
ولكني قد قرأت في مصادر عدة انه قال عن زهير انه اشعر الشعراء ولم يكن يقصد النابغه فهلا وجهتني استاذي الفاضل لمصدر التمس منه الصواب
نعم قال العبارة التي قلت، عندما أنشده ابن عباس، والعبارة التي أوردتها قالها أيضاً. ,اما العبارة التي أوردتها فقد جاءت في بعض كتب النقد ويحضرني:
تاريخ النقد عند العرب: طه أحمد ابراهيم
الشعر والشعراء
العمدة في محاسن الشعر
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[21 - 08 - 2007, 10:02 ص]ـ
بوركت أخي محمد على هذا الجهد المشهود، ويحضرني هنا حض عمر رضي الله عنه لتعليم لامية العرب للأولاد لاشتمالها على الكثير من الآخلاق الحميدة ...
ـ[أبوجهاد المصري]ــــــــ[23 - 08 - 2007, 10:23 م]ـ
بارك الله فيكم والله إنك لمتمكن وقد استفدنا من هذا الموضوع استفادة عظيمة.
¥