[من خصائص غرض المديح في الإسلام ...]
ـ[صَبْرُ أيوب]ــــــــ[23 - 09 - 2007, 01:12 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، قائد الغر المحجلين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ... أمابعد:
فأتناول في هذا العمل، أبياتاً في غاية في الشهرة، متداولة عند أبناء المسلمين لشاعر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حسان بن ثابت – رضي الله عنه، في مدح أبي بكر- رضي الله عنه-،لأستخلص منها خصائص غرض المديح في الإسلام، من ذلك النص الموثق في كتب الحديث، وتراجم الصحابة ... من الكتب التي هي حجة شرعية، وتأصيل ديني، قبل أن تكون مصدراً للباحث في مسائل الأدب الإسلامي، مركزاً على التوثيق والرواية، أكثر من التحليل و الرح كما أوصى الأستاذ – حفظه الله-، إذ بهما تقوم الحجة.
والأبيات كما وردت في الديوان:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة
فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
الثاني التالي المحمود شيمته
وأول الناس طراً صدق الرسلا
وثاني اثنين في الغار والمنيف وقد
طاف العدو به إذ صاعدا الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا
من البرية لم يعدل به أحدا
خير البرية أتقاها وأعدلها بعد الرسول وأتقاها بما حملا
وأهم مما في الديوان (من جهة التأصيل الشرعي):
قول صاحب المستدرك على الصحيحين:" حدثني أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ بهمدان، ثنا محمد بن إبراهيم، ثنا غالب بن عبدالله القرفساني، عن أبيه، عن جده، حبيب بن أبي حبيب قال: شهدت رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال لحسان: قلت في أبي بكر شيئاً؟ قال: نعم، قال: قل حتى أسمع: قلت:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به رجلا
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم".
وقال صاحب المستدرك: "حدثنا أبو عبدالله محمد بن علي بن مخلد الجوهري ببغداد، ثنا الخليل بن زكريا، ثنا مجالد بن سعيد، عن الشعبي قال: سألت ابن عباس، أو سئل: من أول من أسلم؟ فقال: أما سمعت قول حسان رضي الله عنه:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود مشهده وأول الناس منهم صدق الرسلا"
و قال صاحب أسد الغابة في معرفة الصحابة:" أخبرنا غير واحد إجازة قالوا: "أخبرنا أبو غالب بن البناء، أخبرنا أبو محمد الجوهري، أخبرنا أبو عبيدالله بن عبد الرحمن بن محمد، حدثنا محمد بن هارون بن حميد بن المُجَدَّر، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، عن مجالد، عن الشعبي، قال: سألت ابن عباس: من أول من أسلم؟ قال: أبو بكر، أما سمعت قول حسان:
إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا
خير البرية أتقاها وأعدلها بعد النبي وأوفاها بما حملا
الثاني التالي المحمود شيمته وأول الناس طراً صدق الرسلا"
وذكر صاحب طبقات الشافعية الكبرى: ((قال - عليه السلام- لحسان: (هل قلت في أبي بكر مثلاً؟)) قال: نعم، قال: قل وأنا أسمع، قال:
وثاني اثنين في الغار المنيف وقد طاف العدو به إذ صاعد الجبلا
وكان ردف رسول الله قد علموا من البرية لم يعدل به أحدا
فضحك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه وقال: " صدقت يا حسان، هو كما قلت .. "))
وبعد الروايات المتعددة الموثوقة، نجزم بصحة الأبيات، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – استنشدها وسمعها، وأعجب بها، وفي ذلك زيادة دلالة على جواز شعر المدح في الإسلام، ولا أدل على ذلك من فعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كما تقدم، وأنها دليلُ ابن عباس رضي الله عنه على أسبقية إسلام أبي بكر رضي الله عنه، وذكر مناقبه عند أهل الحديث والسير.
ثم إن قارئ أبيات حسان ليجد فيها خصائص المدحة الإسلامية، فهي في واحد من أكابر أولي الفضل في أمة الإسلام ممن لا تخشى عليهم الفتنة، بل هو الشخصية الثانية بعد الحبيب - صلى الله عليه وسلم-، وكان مديحه بصفات معروفة لكل أحد في ذلك العصر، فمدحه بأنه أول من صَدَّق المصطفى – صلوات الله وسلامه عليه-، وبالصحبة في الغار، وأنه خير البرية بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وأنه حب رسول الله، مع اختصار في الأبيات، والتزام للصدق، وبعد عن المبالغة، والتزلف والمراءاة.
ثم إن الناظر في رواية الأبيات ليقع نظره على لطائف جميلة، أولها أن حسان- رضي الله عنه- مدح أبا بكر دون مناسبة، أو دون أن يُطلب منه، وفي هذا حث على مديح الصالحين لتثبيتهم وليتقدموا في عمل الخير، ثم إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم- استنشد حسان الأبيات في وسمعها تأييداً له، وأعجب بذلك وتبسم له، فكأنه بذلك يوقِّع على خصائص المدح في القطعة التي تمثل خصائص المدح في الإسلام ...
كتبه: عبد العزيز بن علي الغامدي ....