[المفهوم النحوي في (كليات) الكفوي بين المصطلح والتعريف ـــ د. غازي مختار طليمات (1)]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[17 - 01 - 2008, 12:54 ص]ـ
المفهوم النحوي في (كليات) الكفوي بين المصطلح والتعريف ـــ د. غازي مختار طليمات (1) (عن مجلة التراث العربي - العدد 106)
أ ـ العربية لغة ولود:
إذا كانت اللغة "أصواتاً يعبر بها كل قوم عن أغراضهم" (2) فإن هذه الأصوات مقيدة بقيدين: ـ
ـ أولهما: المدرج الصوتي الممتد من الشفتين إلى أقصى الحلق.
ـ وثانيهما: ما تستطيع هذه الأصوات صنعه في أثناء تقلبها وتركبها من ألفاظ مستعملة وألفاظ يمكن أن تستعمل في المستقبل، وكلا الضربين له مقدار محسوب لا تقوى اللغة على مجاوزته. فالألفاظ العربية المستعملة ثمانون ألف مادة، والممكنة الاستعمال يرقى بها الحساب إلى اثني عشر ألف ألف مادة، وهي ـ على كثرتها ـ إلى نفاد لا إلى ازدياد، لجمود بعضها أو إهماله بعد استعماله، كأكثر المفردات المتصلة بالبداوة والبادية، ولأن استعمال قسم من مخزونها اللفظي الضخم يعني نفاد هذا القسم أو نقص الرصيد اللغوي الذي تعتز به.
أما الأغراض فإلى ازدياد لا يصيبه العقم، وإلى تكاثر دائم التجدد، وتجددها في ميادين العلوم والآداب والفنون وغيرها من آفاق التفكير لا يتوقف عند حد. ولهذا لم يكن بد لتلبية حاجات العقل من أوعية لفظية تستوعب أفكاره إمّا بإبداع صيغ جديدة من مدخرات اللغة القديمة على سبيل الاشتقاق أو النحت، وإما بتحميل الألفاظ المعروفة دلالات لم تكن تدل عليها من قبل على سبيل الاشتراك لكي تتمكن اللغة المحدودة الأصوات من مواكبة الفكر الدائم التغير والتطور، والثانية أنجع من الأولى وأشيع. قال السيوطي: "قال الإمام فخر الدين الرازي وأتباعه: لا يجب أن يكون لكل معنى لفظ لأن المعاني التي يمكن أن تعقل لا تتناهى، والألفاظ متناهية لأنها مركبة من الحروف. والحروف متناهية، والمركب من المتناهي متناه، والمتناهي لا يضبط ما لا يتناهى، وإلا لزم تناهي المدلولات" (3).
ولا يعنينا في هذا البحث أن ندرس كلّ ما استجد في العربية من ألفاظ منذ بداية العصر الإسلامي حتى فجر النهضة الحديثة، فإن دراسة هذه الألفاظ بَلْهَ الإحاطة بها مطلب عسير المنال، يقصر عنه بحث محدود الطول كبحثنا هذا، ويصلح له معجم كبير يحيط بثروتنا اللغوية الضخمة، أو دراسة مفصلة تميز الدخيل والمعرب من المبتكر والمولد، كما تميز أسماء الآلات والذوات والمحسوسات المتداولة في ميادين الحياة من المصطلحات العلمية التي انشعبت أسَراً وطوائف وفق تشعب العلوم التي تمخضت عنها الحضارة العربية الولود. والضرب الأخير بلا جدال يعد أولى بالدرس مما سواه، لأن تطور كل علم من العلوم مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوضوح مصطلحاته ودقة دلالاتها.
وفي هذا البحث لا يعنينا كذلك أن ندرس مصطلحات العلوم كلها، ولا مصطلحات علم واحد في كلّ ما ألف أرباب هذا العلم من أسفار مفصلة ورسائل مجملة، فإن تصور هذا المطلب كان فوق ما خطر لنا حينما أرسلنا بصرنا في تراثنا بصورة عامة، وفي تراثنا النحوي على نحو خاص. ولذلك آثرنا الاكتفاء بدراسة المصطلح في فن واحد من كتاب واحد، هو المصطلح النحوي في كتاب "الكليات" لأبي البقاء الكفوي أحد العلماء الأعلام، والقضاة الأصوليين في القرن الحادي عشر الهجري (ت: 1093) (4).
فما مصطلحنا النحوي؟ وكيف ظهر وتطور حتى اتخذ الصورة التي تطالعنا قسماتها في كتاب "الكليات"؟ وما الضوابط التي احتكم إليها أرباب النحو والصرف في صياغة ألفاظه؟ ثم ما مدى دقة التعريفات التي وضحت هذه الألفاظ وحددت دلالاتها؟ وهل استطاع أبو البقاء الكفوي ـ وبين يديه ثروة موروثة من مصطلحات وتعريفات ـ أن يكون أدقّ ممن سبقوه فيما نقد وحدد؟.
ب ـ ظهور المصطلح النحوي:
قال أحمد بن فارس اللغويّ: "الصاد واللام والحاء أصل يدّل على خلاف الفساد" (5). وقال الأزهري: "تصالح القوم واصطلحوا بمعنى واحد" (6). وكلاهما يعني أن الجذر الثلاثي للفظة (مصطلح) كان يعني في الجاهلية الصلح أو الصلاح المناقض للفساد، ولم يكن يدل على شيء من المعنى الذي اكتسبه في العصور التالية، وأن الفعل (اصطلحوا) لم يكن يعني أكثر من ائتلاف القوم بعد الاختلاف.
¥