[نظرة في كتاب"ناقد الحجاز - ابن ابي عتيق" للدكتور عبد العزيز عتيق]
ـ[الطائر الجريح]ــــــــ[19 - 03 - 2008, 10:01 ص]ـ
نظرة في كتاب "ابن أبي عتيق- ناقد الحجاز" للدكتور عبد العزيز عتيق
إعداد: جورج أبو الدنين – فلسطين
السلام عليكم والحمد لله رب العالمين الذين علم بالقلم، علم الانسان ما لم يعلم، اما بعد، هذه نظرة موجزة متواضعة في كتاب "ناقد الحجاز" للكاتب والمؤلف القدير عبد العزيز عتيق، أعددتها علها تفيد طالب العلم والباحث عن الفائدة، وأرجو ان تنال رضى من يرنو إليها ...
النقد في العصر الجاهلي:
يمثل العصر الجاهلي نشأة النقد العربي، ففيه ظهرت المحاولات الأولى لنقد الشعر وإبداء الرأي فيه بالرغم من أنه كان مبنياً على الذوق الفطري، فكانت ملاحظاتهم وليدة فطرتهم التي تنفعل وتتأثر بما تسمع من قول، فتصدر الحكم للشعر أو عليه دون تعليل. فالناقد إذا استساغ قصيدة أو جزءاً منها أو حتى بيتاً أو نصَ بيتٍ اندفع إلى تعميم الحكم على الباقي، فيجعل من الشاعر أشعر العرب.
تحرك النقد الجاهلي في ميدانين: الأول منهما ميدان الحكم على الشعراء وتفضيل بعضهم على بعض، وفيه اتجهوا إلى الألفاظ والمعاني وبناء الصور الشعرية، وأما الثاني فهو تَلقيب بعض القصائد الجيدة وتفضيل الشعراء على غيرهم، وفي كلا الميدانين فإن الناقد يصغي ويحكم غير معلّل للحكم، بل متأثراً بذوقه الفطري.
كان الشعرُ الجاهلي إحساساً أكثر منه عقلاً، فالعربي مرهف الحس بطبعه، ويعبر عن كل ما يشعر به، وكذلك كان النقد، فلم يتجاوز نقاد العصر الجاهلي إلى الناحية العليمة التحليلية.
وقد ذكر عبد العزيز عتيق في كتابه "تاريخ النقد الأدبي عند العرب" عدة صور للنقد في الجاهلية، وهي على النحو التالي:
1. تناول اللفظ أو الصياغة، فيأخذ الناقد عدم تمكن الشاعر من دلالات الألفاظ، ومثل ذلك ما أخذه طرفة على المسيب بن علس حين أعطى صفة الناقة "الصيعريّة" للجمل فقال: "استنوق الجمل":
وقد أتناسى الهمَّ عند احتضاره بناجٍ عليه الصيعريّة مكدَمِ
2. تناول المعنى، كقول الأعشى حين أخطأ في مدح الحاكم واعتبر عدم اختباره من المدائح مع أنها تضعف الحكم:
ونُبِّئتُ قيساً ولم أبْلُهُ كما زعموا خيرُ أهلِ اليمنْ
فجئتُكَ مُرتادَ ما خَبَّروا ولولا الذي خَبَّروا لم تَرَنْ
3. تناول الصورة الشعرية من حيث قدرة الشاعر على أدائها أو عدم قدرته، ومن ذلك احتكام علقمة وامرئ القيس إلى زوجه أم جندب في أيهما الأشعَر:
" ... احتكم مع امرئ القيس إلى زوجته أم جندب لتحكم بينهما، فقالت: قولا شعراً تصفانِ فيه الخيلَ على رويٍّ واحدٍ وقافيةٍ واحدة، فقال:
خليليَّ: مُرّا بي على أم جُندَبِ لنقضيَ حاجاتِ الفؤادِ المعذَّبِ
وقال علقمة:
ذهبتِ من الهجرانِ في كلّ! ِ مذهبِ ولم يكُ حقاً كلُّ هذا التجنّبِ
ثم أنشداها جميعاً، فقالت لامرئ القيس: علقمةُ أشعرُ منك.
قال: وكيف ذاك؟ قالت: لأنك قلت:
فَللسوطِ أُلهوبٌ ولِلساقِ دِرَّةٌ زلِلزَجرِ منه وقعُ أهوَجَ مِنْعَبِ
فجهِدتَ فرسكَ بسوطكَ ومَرَيتَهُ بِساقكَ. وقال علقمة:
فأدرَكَهُنَّ ثانياً من عِنانه يَمُرُّ كَمَرِّ الرائحِ المُتَحَلّبِ
فأدرك طريدته وهو ثانٍ من عِنان فرسه، لم يضربه بسوط، ولا مراه بساق ولا زجره. قال: ما هو بأشعر مني، ولكنك له وامقة، فطلّقها، فخلف عليها علقمة فسُمّي بذلك الفَحل"
4. التطرّق إلى الغلوّ في المبالغة وعَدّها من عيوب الشعر، فقد عابت العرب على مهلهل الغلوّ في القول بادّعاء ما هو ممتنع عقلاً وعادةً، واعتبروه أول من سنّ هذه السنّة في الشعر، كقوله:
كأنّا غدوةً وبني أبينا .. بجنب عُنيزَةٍ رَحَيَا مُديرِ
فلولا الريحُ أُسمِعَ من بحجْرٍ صليلُ البيضِ تُقرَعُ بالذكورِ
فقد كانت النظرة الجاهلية إلى المبالغة على أنها مما يفسد المعنى وينافي الصدق، وفي ذلك التفات مبكر ولو جزئي إلى عنصر الصدق في الشعر واتخاذه أصلاً من أصول النقد.
¥