[في حسن الابتداء وبراعة الاستهلال]
ـ[محمد سعد]ــــــــ[31 - 10 - 2007, 05:37 م]ـ
حسن الابتداء عند المتقدمين
اتفق علماء البديع على أن براعة المطلع عبارة عن طلوع أهلة المعاني واضحة في استهلالها وأن لا يتجافى بجنوب الألفاظ عن مضاجع الرقة وأن يكون التشبيب بنسيبها مرقصًا عند السماع، وطرق السهولة متكفلة لها بالسلامة من تجشم الحزن ومطلعها مع اجتناب الحشو ليس له تعلق بما بعده، وشرطوا أن يجتهد الناظم في تناسب قسميه بحيث لا يكون شطره الأول أجنبيًا من شطره الثاني وقد سمى ابن المعتز براعة الاستهلال حسن الابتداء وفي هذه التسمية تنبيه على تحسين المطالع وإن أخل الناظم بهذه الشروط لم يأت بشيء من حسن الابتداء وأورد في هذا الباب قول النابغة
كليني لهم يا أميمة ناصب= وليل أقاسيه بطيء الكواكب
قال زكي الدين بن أبي الأصبع: لعمري لقد أحسن ابن المعتز الاختيار فإني أظنه نظر بين هذا الابتداء وبين ابتداء امرئ القيس حيث قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل= بسقط اللوى بين الدخول فحوملفرأى ابتداء امرئ القيس على تقدمه وكثرة معانيه متفاوت القسمين جدا لأن صدر البيت جمع بين عذوبة اللفظ وسهولة السبك، وكثرة المعاني وليس في الشطر الثاني شيء من ذلك وعلى هذا التقدير مطلع النابغة أفضل من جهة ملايمة ألفاظه، وتناسب قسميه، وإن كان مطلع امرئ القيس أكثر معاني وما عظم ابتداء امرئ القيس في النفوس إلا الاقتصار على سماع صدر البيت فإنه وقف واستوقف وبكى واستبكى وذكر الحبيب والمنزل في شطر بيت، وإذا تأمل الناقد البيت بكماله ظهر له تفاوت القسمين وقال: أعني ابن أبي الأصبع إذا وصلت إلى قول البحتري من هذا الباب وصلت إلى غاية لا تدرك، وهو قوله:
بودي لو يهوى العدول ويعشق ليعلم أسباب الهوى كيف تعلق
انتهى كلام زكي الدين بن أبي الأصبع ولقد أحسن أبو الطيب المتنبي حيث قال:
أتراها لكثرة العشاق تح=سب الدمع خلقة في المآقي
ومثله قوله أي قول حبيب:
حشاشة نفس ودعت يوم ودعوا= فلم أدر أي الظاعنين أشيع
وما ألطف قول أبي تمام في هذا الباب:
لا أنت أنت ولا الديار ديار = خف الهوى وتقضت الأوطار
ومثله قول أبي العلاء المعري:
يا ساهر البرق أيقظ راقد السمر= لعل بالجزع أعوانا على السهر
وقد خلب القلوب ابن المعتز في تناسب القسمين بقوله:
أخذت من شبابي الأيام= وتولى الصبا عليه السلام
وما أحلى ما ناسب ابن هانئ قسمي مطلعه بالاستعارات الفائقة حيث قال:
بسم الصباح لأعين الندماء= وانشق جيب غلالة الظلماء
وقال الشريف أبو جعفر البياضي يشير إلى الرفق بالإبل عند السرى وتلطف ما شاء في تناسب القسمين حيث قال:
رفقا بهن فما خلقن حديدا= أو ما تراها أعظما وجلودا
وهذه القصيدة طريقها الغريب لم يسلكها غيره فإنه نسجها جميعها على هذا المنوال ومنها:
يفلين ناصية الفلا بمناسم = وسم الوجا بدمائهن البيدا
فكأنهن نثرن درا بالخطا= ونظمن منه بسيرهن عقودا
ـ[وضحاء .. ]ــــــــ[04 - 11 - 2007, 04:53 ص]ـ
شكرا لهذا النقل المفيد أخ محمد سعد.
و يبقى حسن الابتداء مهمًا في الأدب بأنواعه؛ لما له من أثر جذب للمتلقي.
ـ[أبو ضحى]ــــــــ[19 - 11 - 2007, 08:51 ص]ـ
بوركت أخى محمد وجزاكم الله خيرا أتابع ماتكتب وأنتظر المزيد
ـ[رؤبة بن العجاج]ــــــــ[02 - 12 - 2007, 01:49 م]ـ
لا أنت أنت ولا الديار ديار = خف الهوى وتقضت الأوطار
لله دره ...
ما أجمل ما استهلّ به ..
لا أنتِ ..
أنتِ ..
ولا الديارُ ..
ديارُ ..
خفَّ الهوى ..
وتقضَّت الأوطارُ ...
كل كلمة تنزو على القلب نزو الكرة على ركبة لاعبٍ محترف: p
شكر الله لك طرحك القيّم أستاذنا أبا فادي ...
وكما ذكرت الأستاذة وضحاء:
ويبقى حسن الابتداء مهمًا في الأدب بأنواعه؛ لما له من أثر جذب للمتلقي.
فأنت ترى المرء مشتغلاً بهمٍّ ما .. فيسمع مقدمةً قصيدةٍ ما ..
تجذبه من أقصى همّه إلى حرف رويِّ البيت ..
وأضيف إلى ما ذكرتم هذا المثل:
بادٍ هواك صبرتَ أم لم تصبرا ... وبكاكَ إن لم يجْرِ دمعُكَ أو جرى
دمت في حفظ الله ورعايته ...
.
.
والسلام,,
ـ[أحمد بن يحيى]ــــــــ[12 - 12 - 2007, 06:50 ص]ـ
جميل هذا منك يا محمد
موضوع شيق يستحق الاهتمام، ولستُ أدري إن كان درس أكاديميا أم لا
لأن فيه من عناصر الدرس ما يفتح النفس، ويوافق الحدس
أما النقاد القدماء، فقد اكتفوا بالإشارة دون تحقيق العبارة.
أما أبو الطيب المتنبي؛ فإنه المقدم في هذا الباب
وما زال يرن في سمعي قوله:
الحزن يقلق والتجمل يردع ... والدمع بينهما عصي طيع
وأغلب مطالع المطبوعين من هذا القبيل.
وأبو تمام مقصر في هذا الباب، وحسبك قوله:
هن عوادي يوسف وصواحبه ... فعزماً فقدماً أدرك السؤل طالبه
وقد كاد هذا المطلع لعقادته والتباسه أن يودي بقيصدته كلها رغم جودتها ونفاستها.
ومثل ذلك قوله:
قدك اتئب أربيت في الغلواء ... كم تعذلون وأنتم سجرائي
لغرابة لفظه وشدة تهويله.
أما البحتري؛ فيسير على نسق واحد في ابتداءاته لا يكاد يخالفه؛ وهو ما يقود إلى الإملال، وقلة الاحتفال.
هذا، والله أعلم
والسلام عليكم ورحمة الله
¥