[مختارات من: العمدة في محاسن الشعر وآدابه - لإبن رشيق القيرواني]
ـ[إدوارد فرنسيس]ــــــــ[06 - 06 - 2007, 12:00 ص]ـ
[مختارات من: العمدة في محاسن الشعر وآدابه - لإبن رشيق القيرواني]
باب في الشعراء والشعراء
طبقات الشعراء أربع: جاهلي قديم، ومخضرم، وهو الذي أدرك الجاهلية والإسلام، وإسلامي، ومحدث. ثم
صار المحدثون طبقات: أولى وثانية على التدريج، وهكذا في الهبوط إلى وقتنا هذا، فليعلم المتأخر مقدار ما
بقي له من الشعر فيتصفح مقدار من قبله لينظركم بين المخضرم والجاهلي، وبين الإسلامي والمخضرم،
وأن المحدث الأول فضلاً عمن دونه دونهم في المترلة، على أنه أغمض مسلكاً وأرق حاشية، فإذا رأى أنه
ساقة الساقة تحفظ على نفسه، وعلم من أين يؤتى، ولم تغرره حلاوة لفظه، ولا رشاقة معناه، ففي
الجاهلية والإسلام من ذهب بكل حلاوة ورشاقة، وسبق إلى كل طلاوة ولباقة.
قال أبو الحسن الأخفش: يقال: ماء خضرم، إذا تناهى في الكثرة والسعة، فمنه سمي الرجل الذي شهد
الجاهلية والإسلام مخضرماً، كأنه استوفى الأمرين، قال: ويقال: أذن مخضرمة، إذا كانت مقطوعة، فكأنه
انقطع عن الجاهلية إلى الإسلام.
وحكى ابن قتيبة عن عبد الرحمن عن عمه، قال: أسلم قوم في الجاهلية على إبل قطعوا آذانها، فسمي كل
من أدرك الجاهلية والإسلام مخضرماً، وزعم أنه لا يكون مخضرماً حتى يكون إسلامه بعد وفاة النبي صلى
الله عليه وسلم وقد أدركه كبيراً ولم يسلم، وهذا عندي خطأ؛ لأن النابغة الجعدي ولبيداً قد وقع عليهما
هذا الاسم، وأما علي بن الحسين كراع فقد حكى: شاعر مخضرم بحاء غير معجمة مأخوذ من الحضرمة،
وهي الخلط؛ لأنه خلط الجاهلية بالإسلام.
وأنشد بعض العلماء ولم يذكر قائله:
الشعراء فاعلمن أربعه ==== فشاعر لا يرتجى لمنفعه
وشاعر ينشط وسط المجمعه ==== وشاعر آخر لا يجري معه
وشاعر يقال ==== خمر في دعه
وهكذا رويتها عن أبي محمد عبد العزيز بن أبي سهل رحمه الله، وبعض الناس يرويها على خلاف هذا.
وقد قيل: لا يزال المرء مستوراً وفي مندوحة ما لم يصنع شعراً أو يؤلف كتاباً؛ لأن شعره ترجمان علمه،
وتأليفه عنوان عقله.
وقال الجاخظ: من صنع شعراً أو وضع كتاباً فقد استهدف؛ فإن أحسن فقد استعطف، وإن أساء فقد
استقذف.
قال حسان بن ثابت، وما أدراك ما هو؟:
وإن أشعر بيت أنت قائله ==== بيت يقال إذا أنشدته: صدقا
وإنما الشعر لب المرء يعرضه ==== على المجالس إن كيساً وإن حمقا
وقال محمد بن مناذر وكان إماماً:
لا تقل شعراً ولا تهمم به وإذا ما قلت شعراً فأجد
وقال شيطان الشعراء دعبل بن علي:
سأقضي ببيت يحمد الناس أمره ==== ويكثر من أهل الروايات حامله
يموت ردي الشعر من قبل أهله ==== وجيده يبقى وإن مات قائله
وقالوا:
الشعراء أربعة: شاعر خنذيذ، وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره، وسُئِل رؤبة
عن الفحولة، قال: هم الرواة؛ وشاعر مفلق، وهو الذي لا رواية له إلا أنه مجود كالخنذيذ في شعره؛
وشاعر فقط، وهو فوق الرديء بدرجة؛ وشعرور، وهو لا شيء. قال بعض الشعراء لآخر هجاه:
يا رابع الشعراء كيف هجوتني ==== وزعمت أني مفحم لا أنطق
وقيل: بل هم شاعر مفلق، وشاعر مطلق، وشويعر، وشعرور، والمفلق: هو الذي يأتي في شعره بالفلق،
وهو العجب، وقيل: الفلق الداهية قال الأصمعي: فالشويعر مثل محمد بن حمران بن أبي حمران، سماه
بذلك امرؤ القيس، ومثل عبد العزى المعروف بالشويعر، وهو الذي يقول:
فنلت به ثأري، وأدركت ثورتي ==== إذا ما تناسى ذحله كل غيهب
وهو الضعيف عن طلب ثأره، وروى بالغين معجمة وبالعين غير معجمة.
قال الجاحظ: والشويعر أيضاً صفوان بن عبد ياليل من بني سعد بن ليث، وقيل: اسمه ربيعة بن عثمان،
وهو القائل:
وأفلتنا أبو ليلى طفيل ==== صحيح الجلد من أثر السلاح
وقال بعضهم: شاعر، وشويعر، وشعرور.
وقال العبدي في شاعر يدعى المفوف من بني ضبة ثم من بني حميس:
ألا تنهى سراة بني خميسٍ ==== شويعرها فويلية الأفاعي
فسماه شويعراً، وفالية الأفاعي: دويبة فوق الخنفساء، فصغرها أيضاً تحقيراً له وزعم الحاتمي أن النابغة
سئل: من أشعر الناس؟ فقال: من استجيد جيده، وأضحك رديئه، وهذا كلام يستحيل مثله عن النابغة؛
لأنه إذا أضحك رديئه كان من سفلة الشعراء، إلا أن يكون ذلك في الهجاء خاصة، وقال الحطيئة:
¥