[النقد النحوي و البلاغي في المثل السائر لابن الأثير]
ـ[فراي]ــــــــ[14 - 08 - 2008, 03:13 ص]ـ
تقديم:
يعد ابن الأثير من أعظم نقاد العرب الذين درسوا القضايا النقدية دراسة مستفيضة، و يعد كتابه المثل السائر أهم مؤلف عالج فيه مختلف القضايا فكان بحق أرضية خصبة يرجع إليها الباحثون و المهتمون بهذا الموضوع. فقد عرف عن هذا الأثر النفيس بكونه كتاب في أصول البلاغة العربية و النقد الأدبي، لأنهم رأوه يفيض بكثير من الفكر والآراء الحرة عن الأدب و الأدباء، و لم يسلم من نقد ابن الأثير كثير من فحول الشعراء الذين يعرفهم تاريخ الأدب العربي كامرئ القيس و الفرزدق و أبي نواس و أبي تمام و المتنبي و غيرهم. كما أن الكتاب يزخر بكثير من الآراء النقدية لمجموعة من الكتب النقدية التي طبعت تاريخ المكتبة النقدية العربية منذ القرن الثالث الهجري إلى عصره،
" فتراه في كثير من الأحيان لا يرضي بآراء الغير بل يبسط الرأي الذي يراه، و الذي يتماشى مع ذوقه، و الذي يساير في كثير من الأحيان الفكرة النقدية السليمة، التي لا يسع القارئ إلا الإقرار بها و الإذعان لها ". على أن أهم ما ميز هذا الكتاب اهتمام صاحبه بالنقد النحوي و البلاغي و الذي نستشفه في جل صفحات الكتاب بالإضافة إلى تحديده لمجموعة من المصطلحات النحوية و البلاغية و تعريفها، و ضرب العديد من الأمثلة. و هذا ما سنحاول التعرف عليه في هذا العرض من خلال المحاور التالية:
• اطلاع ابن الأثير على الكتب النقدية و البلاغية.
• المثل السائر، كتاب نقد و بلاغة.
• النقد النحوي في المثل السائر.
• النقد البلاغي في المثل السائر.
1 - اطلاع ابن الأثير على الكتب النقدية:
لقد استطاع ابن الأثير قراءة كتب البلاغة و البيان و أفاد منها و نقدها، حيث يقول ابن الأثير في كتابه المثل السائر: " و قد ألف الناس فيه – علم البيان – كتبا، و جلبوا ذهبا، و حطبوا حطبا. و ما من تأليف إلا و قد تصفحت شينه و سينه و علمت غثه و سمينه، فلم أجد ما ينتفع به في ذلك إلا كتاب (الموازنة) لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي، و كتاب (سر الفصاحة) لأبي محمد بن عبد الله بن سنان الخفاجي ".
كما اطلع على أقوال الأئمة المشهورين في هذا الباب كابن عيسى الرماني و الجاحظ و قدامة بن جعفر و أبي هلال العسكري. كما قرأ و أفاد من كتاب البديع لابن المعتز و الوساطة بين المتنبي و خصومه لعبد العزيز الجرجاني وكتاب حلية المحاضرة للحاتمي، و كتابي دلائل الإعجاز و أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني.
2 – المثل السائر، كتاب نقد و بلاغة:
يمتاز كتاب المثل السائر لصاحبه ابن الأثير بدراسته المتميزة لموضوع النقد من خلال زاويتين:
* الأولى: دراسة قاعدية، حيث عني فيها بالحدود و التعاريف و حصر الأقسام، و جمع فيها كل ما استطاع جمعه من معالمها التي اهتدى إليها الذين سبقوه إلى البحث البلاغي، و هو في كثير من المواضع يصحح أخطائهم، ويضيف إلى تحديداتهم ما جعلها جامعة مانعة على الوجه الذي يهتدي إليه، و بالنظر الذي يهتدي به.
* الثانية: دارسة نقدية، و فيها ألم بكثير من العيوب التي يقع فيها مستعملو تلك الفنون في أشعارهم أو خطبهم أو كتاباتهم.
و لذلك كان من الممكن أن يقال إن ابن الأثير قد جمع في المثل السائر كثيرا من أصول البلاغة العربية و النقد الأدبي، و أنه وحد هذين الفنين الجماليين و مزجهما، و أعادهما إلى طبيعتهما التي تنفر من الأسلوب القاعدي الجاف، وخلطهما بنصوص من الأدب و آراؤه فيه أكثرها جيد مصيب.
كما أنه عمل في كتابه على التفريق بين مهمة البياني، و مهمة كل من النحوي و اللغوي، و يقول في ذلك " إن موضوع علم البيان هو الفصاحة و البلاغة، و يسأل صاحب هذا العلم عن أحوالهما اللفظية و المعنوية، و يشترك هو و النحوي أو اللغوي في أن الثاني ينظر في دلالة الألفاظ على المعاني من جهة الوضع اللغوي، و تلك دلالة عامة.
¥