مفهوم الشعر وتعريفه!! بحث تحليليّ نقديّ
ـ[شاكر الغزي]ــــــــ[18 - 03 - 2007, 05:37 م]ـ
مفهوم الشعر وتعريفه
منذ قديم الأزل، والخلاف قائم بين الأدباء والنقاد حول مفهوم الشعر وتعريفه، وقد وضعوا له تعاريف مختلفة وسطّروا آراءاً عديدةً، وكلٌّ يرى أنه جاء بفصل الخطاب وأنّ قوله هو عين الصواب في تعريف الشعر، ولكنّ الحقيقة أنَّهم جميعاً قاصرون عن فهم معنى الشعر واستيعاب جزئيّاته وفروعه، ويبدو جليّاً الآن أنّ تلك التعاريف لم تسمُ إلى قدر الشعر وفهمه الفهم الصحيح، ومن أقدم تلك التعاريف هو ما قاله قدامة بن جعفر في كتابه نقد الشعر، فقد عرف الشعر بأنه: (كلامٌ موزونٌ ومقفىً يدلُّ على معنى) (1)، ومن خلال المرور على هذا التعريف مرَّ الكرام، نرى أنَّه ينطبق على قول ابن مالك في ألفيته:
كلامُنا لفظٌ مفيدٌ كاستقمْ ... واسمٌ وفعلٌ ثُمَّ حرفٌ الكلِمْ (2)
ولو تمعّنّا في البيت لرأينا أنه كلام موزون ومقفى يدلّ على معنى، إذنْ فهو من الشعر، ولو سألنا: هل يطرب السامع لهكذا بيت؟ وهل يثير فيه كوامن النفوس ويهيجُ المشاعر؟ وهل يرغب في سماعه مرّة وأخرى؟ لاشكّ بأنّ الجواب هو: لا.
ولو سألنا أليس شأنُ الشعر أن يطربَ الأسماع ويُثيرَ كوامن النفوس ويهيّجَ المشاعر؟ لا شكّ بأنّ الجواب: نعم.
إذن فهذا البيت ليس من الشعر، أو أنَّ الشعر ليس هو الكلام الموزون المقفى الدالّ على المعنى!.
وحلّاً لهذا الإشكال فقد ميّزَ الأدباء والنقاد بين الشعر والنظم، والشعر عندهم هو ما ذكرنا شأنه، أما النظم فهو الكلام الموزون المقفى الدالّ على معنى، وضمّنوا النظمَ الأراجيزَ التعليمية كألفية ابن مالك وابن معطي والجزري وابن الهبارية وما شاكلها من الأراجيز العلمية والتأريخية والفقهية والعروضية و ... و ... وبمعنى أدقّ أنَّهم جعلوا القسمين الثاني والرابع من أقسام الشعر المزعومة وهي: (الغنائي، الملحمي، المسرحي أو التمثيلي والتعليمي) هو النظم بحدّ ذاته، فليس هناك شعرٌ ملحميّ ولا تعليميّ وأنما هو النظم!.
وهنا لا بدّ لنا من ملاحظتين:
الأولى: أنّ الأدباء والنقاد حين ميّزوا بين الشعر والنظم وجعلوا القسمين الملحمي والتعليمي نظماً فمعنى هذا أنهم لا يعتقدون بأهمية هذا التقسيم الرباعيّ المزعوم فليس هناك فائدة وراء هذا التقسيم وما هو إلا محاكاةٌ للشعر الغربي (الأوروبي) البعيد عن واقع شعرنا العربي، فليس في النظم سوى الوزن والقافية والمعنى (لأنّ الكلام هو المعنى القائم في النفس) وإنما بعث على ذلك هو كون الشعر أسهل حفظاً وأكثر لصوقاً بالعقل والنفس، كما فعل اليونانيون فقد (كانت أشعارهم تقيّد العلوم والأشياء النفسية والطبيعية التي يُخشى ذهابها) (3).
الثانية: أنّ الشعر العربي القديم يدخل كله ضمن حيز الشعر الغنائيّ، كما يرى الدكتور شوقي ضيف (4)، لأنّ العرب أحبّوا الشعر وتغنّوا به وكان الشعر عندهم ما صلح للغناء -كما أسلفنا في موضوع سابق -، قال حسّان:
تَغنَّ بالشعرِ إمَّا كنتَ قائلَهُ ... إنَّ الغناءَ لهذا الشعر ِ مضمارُ (5)
وهذا يؤيّد أيضاً أنْ لا حقيقةَ ولا أهميّةَ للتقسيم الرباعيّ المزعوم، بل الشعر كله بصورة ٍ أو بأخرى غنائيّ.
وعوداً على بدءٍ، فإنّ تعريف قدامة بن جفعر قاصرٌ عن إدراك حقيقة الشعر، فقد نسيَ موضع الخيال والعاطفة وكان يرى أنّ الأراجيز المنظومة من الشعر.
بيدَ أنّه أحسّ بذلك فتدارك الموقف، ففي تعليقه على كلمة (معنى) الواردة في التعريف أخرج من الشعر كلّ غثاءٍ وسخيف موزون لأنّ كلّ شخصٍ لو أراد أن ينظمَ القول الموزون المقفى لتمكن منه كما يقول قدامة نفسه: (فإنه لو أراد مريد أنْ يعمل من ذلك شيئاً كثيراً على هذه الجهة لأمكن وما تعذر عليه) (6).
فالعاطفة الجياشة والشعور الطافح المتدفق في أبيات القصيدة هو ما يجعلها شعراً، فقديماً قالت العرب:
ألا يا طائرَ الفردو ... سِ إنَّ الشعرَ وجدانُ
فأصبح الشعور والعاطفة من الأسس الرصينة التي يرتكز عليها الشعر ويعرّف بها،
وفي هذا المعنى يقول معروف الرصافي:
هوَ الشعر ُ لا أعتاضُ عنهُ بغيره ِ ... ولا عنْ قوافيه ِ ولا عن فنونه ِ
ولو سلبتنيهِ الحوادث ُ في الدنى ... لما عشتُ أو ما رمتُ عيشاً بدونه ِ
¥