تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال أبو قدامة: فقلت لأصحابي: تقدموا عني وأنا أنظر خبر هذا الفارس، فلما رجعت إليه، بدأني بالكلام وقال: الحمد لله الذي لم يحرمني صحبتك ولم يردني خائباً،

فقلت له ما تريد: قال أريد الخروج معكم للقتال.

فقلت له: أسفر عن وجهك أنظر إليك فإن كنت كبيراً يلزمك القتال قبلتك، وإن كنت صغيراً لا يلزمك الجهاد رددتك.

فقال: فكشف اللثام عن وجهه فإذا بوجه مثل القمر وإذا هو غلام عمره سبع عشرة سنة

فقلت له: يا بني؟ عندك والد؟ قال: أبي قد قتله الصليبيون وأنا خارج أقاتل الذين قتلوا أبي.

قلت: أعندك والدة؟

قال: نعم، قلت: ارجع إلى أمك فأحسن صحبتها فإن الجنة تحت قدمها

فقال: أما تعرف أمي؟ قلت: لا،

قال: أمي هي صاحبة الوديعة، قلت: أي وديعة؟

قال: هي صاحبة الشكال، قلت: أي شكال؟

قال: سبحان الله ما أسرع ما نسيت!! أما تذكر المرأة التي أتتك البارحة وأعطتك الكيس والشكال؟؟

قلت: بلى، قال: هي أمي، أمرتني أن أخرج إلى الجهاد، وأقسمت عليَّ أن لا أرجع ..

وإنها قالت لي: يا بني إذا لقيت الكفار فلا تولهم الدبر، وهَب نفسك لله واطلب مجاورة الله، ومساكنة أبيك وأخوالك في الجنة، فإذا رزقك الله الشهادة فاشفع فيَّ

ثم ضمتني إلى صدرها، ورفعت رأسها إلى السماء، وقالت: إلهي وسيدي ومولاي، هذا ولدي، وريحانةُ قلبي، وثمرةُ فؤادي، سلمته إليك فقربه من أبيه ..

سألتك بالله ألا تحرمني الغزو معك في سبيل الله، أنا إن شاء الله الشهيد ابن الشهيد، فإني حافظ لكتاب الله، عارف بالفروسية والرمي، فلا تحقرَنِّي لصغر سني ..

قال أبو قدامة: فلما سمعت ذلك منه أخذته معنا، فوالله ما رأينا أنشط منه، إن ركبنا فهو أسرعنا، وإن نزلنا فهو أنشطنا، وهو في كل أحواله لا يفتر لسانه عن ذكر الله تعالى أبداً ...

……… ..

إذ رأيت قصراً يتلألأ أنواراً لبنة من ذهب ولبنة من فضة، وإذا شُرفاته من الدرّ والياقوت والجوهر، وأبوابه من ذهب، وإذا ستور مرخية على شرفاته، وإذا جوار يرفعن الستور، وجوههن كالأقمار ..

… ..

تقدم يرحمك الله فإذا في أعلى القصر غرفة من الذهب الأحمر عليها سرير من الزبرجد الأخضر، قوائمه من الفضة البيضاء، عليه جارية وجهها كأنه الشمس، لولا أن الله ثبت علي بصري لذهب وذهب عقلي من حسن الغرفة وبهاء الجارية ..

فلما رأتني الجارية قالت: مرحباً بولي الله وحبيبه .. أنا لك وأنت لي

فلما اقتربت منها قالت: .. ..

.. .. ..

فجالت الأبطال، ورميت النبال، وجردت السيوف، وتكسرت الجماجم، وتطايرت الأيدي والأرجل ..

واشتد علينا القتال حتى اشتغل كلٌ بنفسه، وقال كل خليل كنت آمله ..

.. .. .. .. ..

فالتفت أبو قدامة إلى مصدر الصوت فإذا الجسد جسد الغلام

وإذا الرماح قد تسابقت إليه، والخيلُ قد وطئت عليه

فمزقت اللحمان، وأدمت اللسان

وفرقت الأعضاء، وكسرت العظام ..

وإذا هو يتيم ملقى في الصحراء

قال أبو قدامة: فأقبلت إليه، وانطرحت بين يديه، وصرخت: هاأنا أبو قدامة .. هاأنا أبو قدامة ..

فقال: الحمد لله الذي أحياني إلى أن أوصي إليك، فاسمع وصيتي

قال أبو قدامة: فبكيت والله على محاسنه وجماله، ورحمةً بأمه، وأخذت طرف ثوبي أمسح الدم عن وجهه

فقال: تمسح الدم عن وجهي بثوبك!! بل امسح الدم بثوبي لا بثوبك، فثوبي أحق بالوسخ من ثوبك ..

قال أبو قدامة: فبكيت والله ولم أحر جواباً ..

فقال: يا عم، أقسمت عليك إذا أنا مت أن ترجع إلى الرقة، ثم تبشر أمي بأن الله قد تقبل هديتها إليه، وأن ولدها قد قتل في سبيل الله مقبلاً غير مدبر، وأن الله إن كتبني في الشهداء فإني سأوصل سلامها إلى أبي وأخوالي في الجنة، ..

ثم قال: يا عم إني أخاف ألا تصدق أمي كلامك فخذ معك بعض ثيابي التي فيها الدم، فإن أمي إذا رأتها صدقت أني مقتول، وأن الموعد الجنة إن شاء الله ..

يا عم: إنك إذا أتيت إلى بيتنا ستجد أختاً لي صغيرة عمرها تسع سنوات .. ما دخلت المنزل إلا استبشرت وفرحت، ولا خرجت إلا بكت وحزنت، وقد فجعت بمقتل أبي عام أول وفجعت بمقتلي اليوم، وإنها قالت لي عندما رأت علي ثياب السفر:

يا أخي لا تبطئ علينا وعجل الرجوع إلينا، فإذا رأيتها فطيب صدرها بكلمات ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير