تحوَّل الكابوسُ إلى أجملِ أملٍ .. عندما سمعت صهيل الأدهمِ وصوت الأُسْدِ يدوِّي مكبراً .. الله أكبر
الله أكبر .. و وجوهٌ .. تَشِعُّ عزاً وكرامةً .. وجوهٌ عربيةٌ أبيَّةٌ , تقولُ: ها نحن عدنا يا قدسُ .. عدنا
نحن وارثو صلاح الدين , بخلقٍ من الرَّسولِ مقتبس.
استيقظت .. على بحرٍ من الأحزان .. تضرب أمواجه قلاعَ الشاطئ .. تقول: انهض .. انهض .. إن حبيبتك في أسرٍ , حبيبتك في قهرٍ.
ما زالَ السَّيفُ مزروعاً بغمده , والقنا يشتكي قلَّة المعمعة , والبرق يتحثحث , والرَّعدُ المدوي يصرخ ُ ..
قم .. قم .. حيَّ على الجهادِ .. حيَّ على الجهادِ , وقفتُ وِقفةَ الأُسْدِ في الغابات , لاحَ طرفي على رسالةً تركها الموجُ على رمال الشاطئِ مخطوطٌ عليها:" نصرٌ من اللهِ وفتحٌ قريب "
انفجر بركان غضبي واضطرمت مشاعري أملاً وألماً , بكيتُ كالعصفور , أصبحت أجزائي كشظايا البلور المكسور , حلَّقت من فوقي .. أبابيلٌ من النسور .. جيوشٌ من الصقور .. تُرتِّلُ سورةَ الفتحِ.
سللتُ سيفي .. زأرتُ: والله إمَّا النصرُ وإمَّا الشهادة. هَيْتَ للجهاد!!!
ثم سمعت صوتاً .. يشبه ما سمعته في منامي .. صهيل الخيولِ , والتَّكبيرات .. ورايات الإسلامِ , وعزفَ الصوارمِ والقنا , والوجوهُ نفسها كوجوه الملائكة بها وهجٌ من ضوءٍ وغضب , تقول لي: أيا عبدَ الله .. نحنُ النار التي ستكوي النارَ , أتينا لضربِ الأعناقِ , وفتكِ الكره الدفَّاقِ , نحنُ جيشٌ نعبد الله , أولو بأسٍ شديد , لا نحبُّ النقعَ , ولكنَّنا للظلم ردع , فمن أنتَ؟؟؟
قلتُ: أنا العربيُّ الذي سيدفع الدم مهراً لأجلِ القدسِ , روحي لها ودمي والسمعُ والبصرُ , لا تلمني في حبِّها .. إن هواها قدرُ , حبُّها يجتاحني كالزلزال , يحتلُّ قلبي أطول احتلال .. وأجمل احتلال ,حبُّها يحرقني .. يغرقني .. يشعلني .. يطفئني .. يقسمني نصفينِ كالهلال.
ومضيتُ معهم والتَّكبيرات المتجلجلة .. تزداد زمجرةً , وصوتُ سنابكِ الخيلِ يزلزلُ الأرضَ , وزئيرُ الأسدِ تزدادُ قوَّةً وبأساً .. تقرأُ آياتٍ من سورة الإسراءِ , فتعلو الهممُ .. و يضيقُ الألمُ.
وأنا .. شوقي يزداد , أريدُ أن أراكِ يا حبيبتي , أتذكرُ ما مضى , لمَّا كنا نتصرف كالطِّفلين .. في غرورنا ولمّا كانَ الحبُّ دستورَنَا, كيف أمحوكِ من أوراق ذاكرتي , وأنتِ في القلبِ مثل النقشِ في الحجرِ.
لقد علمني حبُّكِ , أن أثور .. أن أضحي .. أن أؤمن بأن النصر من عندِ الله , علمني كيف أقاوم ما أصبح في عقول البعض .. ضربٌ من ذكرى لامست النسيان , علمني كيف أن أصبح هصوراً .. كيف أصبحُ من الفرسان , علمني أنَّ الطَّريق لعينيكِ مستحيلٌ .. ولكن العشقَ المغروس .. دفعني أن أقاومَ , ولو كان بيني وبينكِ ريحٌ وغيمٌ وبرقٌ ورعدٌ وثلجٌ ونار.
(سوفَ يموتُ الأعور الدجال ..
سوفَ يموتُ الأعور الدجال .. )
اليوم سيكتبُ التاريخُ .. وستشهدُ دولة الباطل .. أن حبيبتي .. محررة .. وخلفها رجالٌ .. كالنارِ .. كالبركان .. كالأُسْدِ .. يضغمون الظلم بأنيابِ الإيمان .. يقتلعون شَرار الضغائن .. سَيُطلقُ علينا .. إرهابيُّون .. أو مخرِّبون .. أو أيُّ كلمةٍ كلاسيكية تُلقَّبُ لعشَّاقٍ .. دفعوا الدم مهراً لقاء المعشوق .. لكن .. لن يضرَّنا نبحُهم شيئاً .. إن كان حبُّنا جريمةً .. فالحبُّ جريمةٌ لا تقبل المثول أمام محاكم الزمن.
يا قدس يا مدينة السماء أراك في ثوب من الدماء
يحيطك الظلام يا حبيبتي وكنت فينا منبع الضياء
ويغرس الباطل فيك نابه ويستجير الحق بالفدائي
أنا هنا يقولها مكبر ومقرئ السلام للعذراء
أنا هنا مسجدي لي شاهد وهذه كنيستي إزائي
القدس ذي مدينتي حبيبتي , وجهي جبيني عزتي إبائي
وإنها لو شئت أن تسمعها تلاوة من سورة الإسراء
سبحان من أسرى بذات المصطفى ليلاً إلى الأقصى القريب النائي
ذاك الذي ما حوله مبارك هذا كلام الله لا غنائي
الله أكبر كبروا الله أكبر
تستاهل التقبيل أيد حملت حجارة التحرير والفداء
هنا فلسطين وهذي قدسنا كالروح أغلى ما لدى الأحياء
مصطفى أبوفودة