[وحطمت سور الغياب فتحطمت أضلعي]
ـ[شيخه**]ــــــــ[28 - 02 - 2010, 03:35 ص]ـ
رحمك الله يا أمي .......... كم قيل لي مرارا بأن مثلي لن تستطيع أن تحتمل تقلبات الطقس وتغيرات الحياة العادية فضلا عن صفعاتها المؤلمة
واليوم أيقنت بأن لي قلبا قويا ليس بقلبي فعجبت منه حقا وسأعجب ما حييت إذ لايزال نابضا في صدري ولم يقف ساكنا من أقوى صفعة .................
قبل تلك الصفعة بسنوات كان للحياة في نظري طعم ونكهة وللأشياء من حولي أهمية ودلالات ....... فقد عشت في حضن أمي آمنة على نفسي ,سعيدة بعيشي, ممسكة الدنيا كلها بيدي عندما أرى وجهها مشرقا في كل صباح أمام عيني, ولم يكن حينها يكدر صفوي ويقلق نومي إلا خوفي الشديد من أن أغمض عيني وأفتحها لأفول لا إشراقة بعده ......
فقد كنت على يقين بأن الدنيا لابد وأن تعكر صفونا وتنهش يوما بأنيابها قلوب أحبتي .......... فكان ذلك الإحساس يحطمني ويقتلني كلما لاح في مخيلتي فتنقاد بفعله خطاي لتقف بي في منتصف بيتنا كل ليلة لأرقب يد الزمن حتى لا تمتد إليهم وإن كنت لا أستطيع أن أمنعها ,ولكن على الأقل كنت متأكدة بأنني سأريح نفسي من ذلك البركان الثائر في أعماقي والذي لا يهدأ إلا بوقوفي على أبواب غرفهم وتفقدهم واحدا واحدا وكأنني أتفقد أعضائي التي في جسدي فقد كانوا هم روح الحياة الذي ينعشني والذي لا أستطيع العيش بدونه ولو لدقيقة واحدة .......
ولكن الدنيا لم تتركنا وشأننا فلم تقف صامتة بل أبت إلا أن تعزف لحن الفراق على مسامعنا فأشهرت مخالبها في وجهي وأبعدتني عن موطن أحبابي
حينما قررت أمي أن تغرس زهرتها في بيت غير بيتها خوفا عليها من أن تذبل بعدها ولا تجد من يرعاها ولم تعلم بأنني سأذبل في كل دقيقة وأنا بعيدة عنهم وعن تربتي ألف مرة ........ ,فنفذت رغبتها وابتعدت عنهم ثلاثة أشهر حتى كدت أن أختنق شوقا فجمعت حقائبي وتركت كل شيء ورائي وعدت إليهم وإلى روحي التي تركتها في أحضانهم ,وقلت لنفسي حينها كلها أيام قلائل وساعات معدودة فلماذا الفراق مادمنا على ظهرها ولم نتوار في باطنها لماذا نبتني سورا من الفراق ونحن قادرون على تحطيمه ..........
فحطمت العش بيدي واعتقدت بأنني قد قهرت الموج بمقدمي ولكنني في الحقيقة قد غرست الحزن في قلب حاملة همي ........
وتمضي الأيام والشهور ويلوح في الأفق غياب لا نستطيع دفعه ويقبل الموج ثائرا ليطرق بابنا .. ,فتمرض أمي وأمسك أخويّ في حضني ويزداد مرضها ويطير عقلي فأحس بأنينها كسكاكين تغرس في قلبي فأخبأ رأسي وأندس بين أخويّ وأغمض عيني وأدعو الله أن يكون ذلك حلما مفزعا وسيتبعثر قريبا وتستيقظ أمي ولكن الحلم طال وعذبني وما أفقت منه إلا على صراخ يعلن رحيل أمي ..........
فكذبت الخبر وجمدت مشاعري وأصبحت كالآلة حتى لا أجن بفقدها ويضيع أخواي من بعدي ........ ثم سرت في الحياة بعدها على مضض من أجلهم وتركت الدنيا من حولي وقدمت مصالحهم على نفسي مع أنني لم أكن أكبر منهم بكثير فقد كنت أكبر من الكبير بعامين ومن الصغير بأربعة أعوام إلا أنني أحتضنتهم في قلبي وتبنيتهم أولادا لي وأعطيتهم ماء عيني وأسقيتهم دمي ولم أحسسهم بفقدان أمي ...................
وبعد ست سنوات من وفاتها يفاجئني أكبرهم برغبته في أن يسكن قلبه امرأة أخرى ويترك حضني ,فألبي رغبته وأحتضن عائلته الجديدة معه في قلبي
و ...... يغيب بعدها إحساسي بقرب أخي من نفسي ومن عالمي وإن كانت أجسادنا تحت ظل سقف واحد ولكن الفراق رسم صورته بيننا وإن لم تفرقنا المسافات ............ ,فقد غابت ذاته عن ذاتي وإن لامست يده يدي فعينه لا تنظر إلا إلى ماهو ورائي إلى ثمار قلبه التي تتقلب أمام ناظريه وبين يدي زوجته ........ ,فعلمت حينها أن ذلك الفراق الذي حطمت سوره فيما مضى بنى بيته في أضلعي رغما عني فازداد في هذه المرة خوفي على نفسي ولكنني لم أستطع أن أبتعد لأبحث عن مصلحتي وأترك أخي الأصغر في الطريق لوحده
دون أن أسنده وألبي احتياجاته حتى يعلن بنفسه استغناءه عني فضحيت بعمري وأعلنتها صريحة للملأ بأنني لن أوافق أن ابتني عشا مادام أخي يفترش حضني .................................
وتدور بنا الأيام ويشتد عضد أخي ويرزق بوظيفة ويبدأ بالبحث عن شريكة تشق معه طريق الحياة فيرزقه الله بها فيكون كالعصا بيدها فيرى بعينها ويسمع بأذنها ويتكلم بكلمها .... ,وحينها ازداد مصابي وانكسرت نفسي فسحبت خطاي من البيت وانطويت في أقصى غرفتي ودعوت الله ألا تخرجني منها ولكنها أبت أن تتركني وشأني فبعد أشهر قليلة اقتربت مني وضربتني بالعصا التي رعيتها طوال عمري فانهارت الدنيا بعيني وعرفت أنني الآن سأذبل كما تصورت أمي .......... ,فأصبحت أجر خطاي وأقحم نفسي بين بيت هذا وبيت ذاك ولو نمت بين البيتن لما فقدت وهكذا حال من تعد عليه ساعات إقامته في عيون نساء يتمنين الخلاص منه فعشت معهن ككرة تحاول كل واحدة منهن أن ترميها بكل قوتها بعيدا عن شباكها ..........
فرمين الشوك في طريقي وأبعدن الخبز اليابس عن عيني حتى ضقت من نفسي وأحسست بعبئها الثقيل على جسدي فلم أدر أين أذهب ببضاعة مزجاة حكم عليها بانتهاء صلاحيتها فلم يعد يحق لها إلا أن تقف في انتظار أن تطوى صفحتها ..........
فقد تجاوزت أواخر الثلاثين من العمر ولم يعد أمامي إلا أن أعيش عالة على غيري أو أن أحفظ كرامتي وأنضم إلى أول ركب يمر ببابنا وإن كان لايكافئني
فآثرت كرامتي وربطت الحبل في عنقي وجررت خطاي وسحبت نفسي في آخر عربة من تلك العربات المهشمة التي لا سقف لها في قطار المتفضلين على أمثالي ووووووووووووبلعت غصتي ورحلت
¥