[لعنة الحب]
ـ[سعد الحذيفي]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 02:55 ص]ـ
في ليلة ميّتة،،ساكنة سكون الموت،،،هادئة إلا من صوت نسمات باردة تتخلل أوراق الأشجار فتسمع سيمفونية حزينة،،،تزيد الجو حزنا وألما،،،،،والليل ألقى بوشاحه الأسود على تلك القرية الرابضة هناك أسفل الوادي،،،وقد أحاطها الجبل بكفيه وواراها عن الوجود،،،
وجومٌ رهيب يكتنف المكان،،،تكاد من السكون تسمع صوت مشي الذر على التراب الناعم،،،
لكنّ هذا الليل الموحش،،،تزيّنه نجوم في الأفق تناثرت هنا وهناك،،،تتلألأ تارة وتخبو تارة،،،
والنهر قد شقّ القرية إلى نصفين،،،باردٌ كالثلج،،يمضي يشق طريقه غير مكترث بما يحدث،،،والقمر استحال بدرا منيراً،،،يلقي بنوره من بين السحاب،، وحيناً يحجبه السحاب فلا ترى إلا خيوطاً مشعةً تتسلل من بين السحاب،،،
هناك في هذه اللوحة الجميلة،،،،وعلى طرف القرية،،،يسكن بطل قصتنا،، الشاعر العاشق الفقير،،،،في بيت من القش الهش.
طرق هذا العاشق الذي ضواه الحب كل باب يصل من خلاله لمحبوبته،،فكان كل باب يوصد دونه،،وكل طريق يسد أمامه،،،وما ذنبه إلا الفقر،،الذي لا يجد معه ما يسدّ به رمقه،،،
وقلبه الذي أشقاه لم يعشق من هي من طبقته،،،،،بل أحب فتاة من أسرة غنية وذات نسب شريف،،،ولا يجرؤ كائن من كان أن ينظر فقط لتلك الفتاة،،،لكنّه الحب،،،لا يعرف أحداً لا يعرف إلا القلوب المرهفة،،واللحاظ الناعسة الحزينة،،،والشفاة الوردية الدافئة،،،والخصر المياس،،،والقد الممشوق ...
وصاحبنا هذا تهمته في هذه الحياة أنّه شاعر،،،له قلب كالفراشة،،،يلعب به الجمال ويعصف به،،كما تلعب الريح وتعصف بالفراشة،،،،والناس كلهم حياتهم تمضي كما يمضي النهر،،،لا يعود أبداً،،،ليس لهم ذكرى وإن كان فإنها لاتؤرقهم،،،يأخذون الحياة كما هي لا يتجاذبونها أو يتعبون أنفسهم من أجل أمنية أو عشيقة أو نظرة،،،إلا الشاعر وحده فالذكرى تؤرقه وتسهر ليله وتظني نهاره،،،عند كل مشهد من مشاهد الحياة يقف ويتأمله طويلاً ويعيد النظر فيه مراراً ومرارا،،،،،
ربّما في النهار تكفيه نظرة واحدة لمشهد واحد،،،لكنّه في الليل عند ساعة النوم،،،يعيد هذا المشهد ويحلّله ويسبره ولا يريحه إلا أن يخط قصيدة تصور هذا المشهد على الكراس،،،
وهذا عاشق شاعر اجتمع عليه البؤس من أطرافه،،والتصق به كلباسه،،،فأيامه أيام مسغبة وجوع
ولياليه ليالي حب وشعر،،،يتقلّب بين نارين تذكي قصائد وأشعارا ملؤها الألم والألم.
إن قلبه قد انقسم كما انقسمت القرية بالنهر،،،،،قسمه الحب والعشق فهو في طرف وحبيبته في الطرف الآخر من القرية،،،،
يتذكّر ذلك الصباح الجميل الذي وقعت عينه عليها فيه لأوّل مرة فكانت تلك النظرة كافية لتتمكن من قلبه الخاوي.
لم يستطيع النوم تلك الليلة فكلما هم بالنوم واستسلم له،،لاحت له حبيبته فطردت النوم من عينيه وحرمته عليه،،،نسي همّه وفقره وآلامه بتلك النظرة،،،ولأول مرّة أحسّ بطعم للحياة،،وقد كانت الحياة عنده من قبل مجرد نفق مظلم ممتد لا ينتهي يتخبّط فيه على عمى لا يدري كيف ولماذا وإلى أين يسير،،،فقط كان يسير ويسير بغير هدى،،،،لكنّه اليوم أدرك معنى الحياة،،معنى الحب معنى الجمال والدلال،،،ولأوّل مرة أحس بالخلود،،،فالحب هو بدلٌ من الخلود،،وما أحلاه من بدل.
فبينا هو مستغرق في أحلام اليقظة إذ سمع وشوشة في الخارج عند النهر،،وقد كان بيته على سيف النهر قريباً منه يسمع كل من يأتيه،،،ففتح النافذة التي تطلّ على النهر لينظر من هناك،،،فرأى ما لم يكن في حسبانه،،،رأى الجمال بنفسه في صورة امرأة،،،رأى حبيبته فتسمّرت عيناه عليها،،،رآها على ضوء القمر تناجيه بأبيات لم يتبينها وقد غمست في النهر ساقيها ولها بريق من ضوء القمر،،،توقّفت نبضات قلبه وأخذ يجول بناظريه في القرية وجبالها وسهولها ونهرها وفي السماء ونجومها وقمرها ومجرّاتها فكأن كل ذلك توقف عن الحركة وأخذ يحدّق معه في ذلك الملاك على طرف النهر،،،أحسّ أن الكون يشاركه هذه اللحظة الآسرة من التأمل والنظر في الجمال المتمثّل في تلك الحبيبة.
كانت رجله تتقدّم خطوة للخارج وتتأخر خطوتين،،أيخرج غير مكترث بالمصير فيصارحها بحبّه لها ويريح ضميره،،،،ولكن ماذا لو أعرضت عنه وسفهّت حلمه،،،حينها سيجنّ جنونه.
¥