[ندم و هم وغم]
ـ[محمد يوب]ــــــــ[28 - 01 - 2010, 01:27 م]ـ
تكاثرت علي الديون فهي هم بالليل وفي النهار اختباء من رصد العيون، كبر الأولاد ازدادت المصاريف، شكلي لا يسعد العدو ولا يسر الصديق، لا أتذكر في أي سنة اشتريت حذائي الوحيد وسروالي الذي انكشف لونه من كثرة الغسيل بالماء و الصابون، أنتظر الزيادات، لا الرتب تجدي ولا السلالم ولا العلاوات.
أذهب إلى المقهى أطلب قهوتي السادة المعتقة، يقف النادل على رأسي يطلب مني واجب القهوة قبل إحضارها يخاف من إشارة يدي اللولبية .... إلى الغد، أصدقائي يتهربون مني أسلم عليهم يكشرون في وجهي حتى لا أطلب منهم مزيدا من المال.
زملائي في العمل في راحة تامة يعيشون حياة هنيئة يلبسون البدل السوداء والأقمصة البيضاء و الأحذية اللامعة، يركبون السيارات الجديدة، ويسافرون مع أولادهم في الإجازات الربيعية و الصيفية.
أشعر بضيق في صدري، اسودت الحياة في عيني، الدنيا برحابتها و شساعتها أصبحت بالنسبة لي كعلبة كبريت تقذفني من مكان للآخر، لا أشعر بآدميتي ماذا فعلت في حياتي؟،لماذا أعاقب هكذا؟ تساؤلات أطرحها على نفسي أبحث عن إجابة تشفي غليلي.
إني أغالط نفسي، أنا أعرف السبب لكنني أتغاضى و أريد أن أنسى أو أتناسى، لأن أمي ماتت وهي غاضبة مني، كانت تتألم من شدة المرض، كانت وحيدة لا تجد من يرعاها و يشتري لها الدواء، تحبوا على ركبيها من أجل قضاء حاجتها، كانت أبية عفيفة لا ترضى الذل و الهوان.
كانت أمي امرأة عجوز هدها الشغل في بيوت أعيان القرية،تكنس الأرض وتغسل الملابس والزرابي الثقيلة، وفي الصيف تذهب للحصاد، تكسب قوت يومها من عرق جبينها، كانت صغيرة جميلة رفضت الزواج ضحت من أجل سعادتي، خافت من نظرة زوج الأم وسوء معاملته لي.
في المساء أجلس في بهو الدار على أريكتي الحديدية أراجع دروسي، تحضر لي أمي كأس الشاي المنعنع الممزوج بالشيبة وقطعة الحلوى التي أحبها، تحط يدها على ظهري تدلك عنقي أشعر بخشونة في كفها من كثرة العمل في الحقل، وكانت في الليل تشتكي من شدة التعب و الإرهاق وتقول لي كل هذا يهون من أجل راحتك ومتابعة دراستك،وأتمنى اليوم الذي أراك فيه قاضيا أو أستاذا وتريحني من هم الزمان.
انتقلت إلى المدينة انشغلت ببريقها الزائل، تزوجت امرأة تعرفت عليها في المقهى المجاور للعمل كانت أنانية تحب نفسها وتحب أهلها، كانت تربطني بها علاقة سيئة كنا على خلاف دائم، في كثير من الأحيان كنا نريد الطلاق ولكني كنت أفكر في الأولاد كنت لا أريد تكرار نفس مأساتي.
مرت الأيام كلمح البصر ماتت أمي ولم أحضنها ولم أحضر جنازتها، تبرع الجيران كل واحد بما استطاع، غسلوها كفنوها ودفنوها حاولوا الاتصال بي لكن الخط كان دائما مشغولا، أخبروني أنها كانت تسأل عني وتنتظرني، قالت لهم قولوا له: ماتت التي كان الله يرزقك من أجلها.
محمد يوب
23 - 01 - 10