نعم سأحضر .. لن أترككِ تذهبين وحدك .. أود رؤيته .. نجري بهلع ... لن تدخلي معى .. إبقِِِ هنا ... إبتعدي عني أود النظرة الأخيرة ... إقْتَحمْتُ المكان ولِهَوْل مارأيت ... حسرة تختلج فؤادي ... تلفح وجهي .. أهذا جدِّي الذي كنا بالأمس القريب؟؟ تُفتح ثلاجة الموتى لأجده ممدداً بلا حراك .. تنهار قواي .. ولم أقدر على جمع شتاتي. رحل من كان يحبني .. رَحَلتْ رَوْحٌ كُنْتُ منها وهي مني ... ترك حباً في قلبي , وحيدة أنثر الحروف بلباس الألم , وحسرة لاتنطفئ ... ذكرى أعيش بها وأشقى ... أبقى أو لا أبقى ...
تتوالى الساعات ومشرط الطبيب يتفنن في قص ولصق مايحلو له والأسرة جميعها تنتظر بالخارج ..
تلك نبتة أمل تنبض بالحياة , الكل ينتظر .... يترقب .. أن تنكشف ستائر الغمة وتُشعل أنوار جديدة تقشع ظلمة الأيام الكئيبة.
توالت مخاضات المساءات. .. لعل مخاض قريب يضع بذور ضوء من رحم الغيامات الداكنة. انشغالات .. خيالات .. إستبشارات ... , تساؤلات وآمال تتراقص في عيون دامعة ... متى تشرق البسمة هنا؟ متى يصل القادم الباكي ... يصرخ ... يوزع الفرحة علينا في همساته الرقيقة .. في نبضاته البكر ..
أنا من فكر بوردة أستقبله بها , لكن والدتي كانت تعد له رداءًا بزهورٍ وطيورٍ تتراقص عليه ألوان الشروق , والأخريات يجهزن وسادته .. لكن غفل الجميع أن يعد له طعاماً , ربما علموا انه لن يطيب له طعامنا ...
وعلى حين عهد .. علا صراخ وتأوهات .. وارتجفت قلوب ... وزرفت عيون , والجميع يترقب البشري! قلبي يحدثني أي بشرى على أمواج الدموع ...
أُخِذَت أختى الكبرى إلى الغرفة المضيئة .. إذاً ستشعل الأنوار من جديد , ملابس بيضاء شفافة ... بشرى خير إنه الطبيب ..
كل إنتهى من مهمته ... لف المكان رعب الانتظار ... رهبة الترقب ترسم تقاسيم الوجوه .. وتحتار لقاءات العيون ... خيم الصمت كعادته على الموقف ... فُتحت الغرفة المضيئة .. تسلل بعض النور إلينا .. خَرَجت والكل يلتف حولها , إلى أن استقرت على المتكأ ,
أمي .. نريد رؤية الوليد ...
نهرع إلى هناك نهرول خلف خيوط الضوء ... أنظر إليه ... أدقق النظر ,
ياله من جميل .. حملته .. ضممته إلى قلبي , وبعمق نظرت إلى وجهه الملائكي , فاضت دمعة بكى حلمها من عيون تتبعت سراب وَاهِم وُشِّحَ بالسواد تساقطت على جسده العَفن , وفَرَدَ الحزن أجنحته يحبو ليحوي مساحة بلون الأسى ... ! لقد فارق الحياة قبل أن يرى النور بأيام
وبصوتٍ .. يغلبني البكاء , ويتصدع قلبي بين الضلوع
ويضع الطبيب لمساته الأخيرة من الحياكة الدقيقة ... يرقع تلك ... ويداري ذاك ... حتى انتهى من جميع الترميمات , لأجدني بعد ساعات طوال في حجرتي طريحة الفراش أكاد يبلغ مني النسيس , لاأقوى على الحراك وقد ضمدت ساقاي بالخبائب والسبائخ التي نبه الطبيب ألا تغادرني وأثبتتني ستة أشهر كاملة ...
افتح عيني لأرى كل الأنوار انطفأت ...
ماعدا نور لاينطفئ ... فرحمته وسعت كل شيء ..
وبابه مفتوح أبداً.