يقولون للصواب صوابا وللخطأ خطأ
إنه منتدى إن داومت عليه فكأنك المدرسه أو الجامعة
وشكرا
أما وقد قلتها فأنا أعتذر وأعتذر وأعتذر
نحن هنا نطلب العلم كبارا وصغارا رجالا ونساء ولا مجال للمجاملة أو الاحتقار وفوق كل ذي علم عليم
نعم ما نراه حسنا نشهد لصاحبه ونحفزه دون مبالغة وتجواز في المدح
وما نراه سيئا نوجه ونرشد ولا نعف أو نحقر
أعلم أنك لم تفهم قصدي من قولي لا تعليق لكنني لما رأيتكما تجاوزتما في المدح ـ وأنت ما زلت في بداية طريق الشعر ـ أحببت التنبيه ولكن دون تجريح أو اتهام فأبيت إلا أن تكنيني بأبي صعيب وهو أمر لا يضيرني فمن يفرط في المدح لا شك يفرط في الذم
أما النصح فعليك بما ذكره ابن خلدون
الفصل السابع والخمسون
في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ وجودتها بجودة المحفوظقد قدمنا أنه لا بد من كثرة الحفظ، لمن يروم تعلم اللسان العربي، وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه وكثرته من قلته، تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ. فمن كان محفوظه من أشعار العرب الإسلاميين شعر حبيب أو العتابي أو ابن المعتز أو ابن هانىء أو الشريف الرضي، أو رسائل ابن المقفع أو سهل ابن هارون أو ابن الزيات أو البديع أو الصابىء، تكون ملكته أجود وأعلى مقاماً ورتبة في البلاغة، ممن يحفظ أشعار المتأخرين مثل شعر ابن سهل أو ابن النبيه أو ترسل البيساني أو العماد لأصبهاني، لنزول طبقة هؤلا عن أولئك. يظهر ذلك للبصير الناقد صاحب الذوق. وعلى مقدار جودة المحفوظ أو المسموع، تكون جودة الاستعمال من بعده، ثم إجادة الملكة من بعدهما. فبارتقاء المحفوظ فى طبقته من الكلام، ترتقي الملكة الحاصلة لأن الطبع إنما ينسج على منوالها، وتنمو قوى الملكة بتغذيتها. وذلك أن النفس، وإن كانت في جبلتها واحدة بالنوع، فهي تختلف في البشر بالقوة والضعف في الإدراكات.
واختلافها إنما هو باختلاف ما يرد عليها من الإدراكات والملكات والآلوان التي تكيفها من خارج. فبهذه يتم وجودها، وتخرج من القوة إلى الفعل صورتها. والملكات التي تحصل لها إنما تحصل على التدريج كما قدمناه. فالملكة الشعرية تنشأ بحفظ الشعر، وملكة الكتابة بحفظ الأسجاع والترسيل، والعلمية بمخالطة العلوم والإدراكات والأبحاث والأنظار، والفقهية بمخالطة الفقه وتنظير المسائل وتفريعها وتخريج الفروع على الأصول، والتصوفية الربانية بالعبادات والأذكار وتعطيل الحواس الظاهرة بالخلوة والانفراد عن الخلق ما استطاع، حتى تحصل له ملكة الرجوع إلى حسه الباطن وروحه، وينقلب ربانياً وكذا سائرها. وللنفس في كل واحد منها لون تتكيف به، وعلى حسب ما نشأت الملكة عليه من جودة أو رداءة تكون تلك الملكة في نفسها، فملكة البلاغة العالية الطبقة في جنسها إنما تحصل بحفظ العالي في طبقته من الكلام، ولهذا كان الفقهاء وأهل العلوم كلهم قاصرين في البلاغة، وما ذلك إلا ما يسبق إلى محفوظهم، ويمتلىء به من القوانين العلمية والعبارات الفقهية الخارجة عن أسلوب البلاغة والنازلة عن الطبقة، لأن العبارات عن القوانين والعلوم لا حظ لها في البلاغة، فإذا سبق ذلك المحفوظ إلى الفكر وكثر وتلونت به النفس جاءت الملكة الناشئة عنه في غاية القصور وانحرفت عباراته عن أساليب العرب في كلامهم. وهكذا نجد شعر الفقهاء والنحاة والمتكلمين والنظار وغيرهم ممن لم يمتلىء من حفظ النقي الحر من كلام العرب.
أخبرني صاحبنا الفاضل أبو القاسم بن رضوان كاتب العلامة بالدولة المرينية قال: ذاكرت يوماً صاحبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان أبي الحسن، وكان المقدم في البصر باللسان لعهده فأنشدته مطلع قصيدة ابن النحوي ولم أنسبها له وهو هذا:
لم أدر حين وقفت بالأطلال ... ما الفرق بين جديدها والبالي
فقال لي على البديهة: هذا شعر فقيه، فقلت له ومن أين لك ذلك؟ قال من قوله: ما الفرق؟ إذ هي من عبارات الفقهاء، وليست من أساليب كلام العرب، فقلت له: لله أبوك، إنه ابن النحوي.
وأما الكتاب والشعراء فليسوا كذلك، لتخيرهم في محفوظهم ومخالطتهم كلام العرب وأساليبهم في الترسل، وانتقائهم له الجيد من الكلام.
¥