ونحن لا ندرك حتي الآن أن المنتجات الصناعية هي التي غيرت الثقافة العراقية، وليس الجواهري أو السياب أو عبد الرزاق عبد الواحد ــ مع اعتزازنا بهذه الأسماء ــ لأنها لا تختلف عن الثقافات الأخري في العالم. فعندما دخل التلفزيون إلي بيوت العراقيين لم يبق علي أحوالهم كما كانت من قبل، بل جعلهم مختلفين تماماً. فالتزموا بيوتهم ولم يكثروا من الخروج كما كانوا يفعلون في الماضي. وقلت حركتهم فازدادوا سمنة. وهجروا المقاهي والأسواق فلم يقربوها إلا لحاجة. وكان تأثير ذلك واضحاً في ضعف العلاقات الاجتماعية وتنامي سلطة الدولة. ولم يكن ذلك غائباً عن أذهان الأجهزة الأمنية فمنعت التقاط البث الفضائي، خوفاً من ظهور مناخات جديدة للتفكير داخل البلاد.
وبإمكاننا أن نعد إدخال الهاتف النقال إلي العراق ثورة ثقافية كبري، في المدن والأرياف علي حد سواء. فقد أصبح الشبان الصغار مهووسين باقتناء الهاتف الجديد، والاستفادة من الخدمات التي يقدمها للمشتركين. الأمر الذي غير كثيراً من مستوي علاقاتهم الاجتماعية وسمح بإعطاء دفعة قوية لممارسة الحرية الشخصية. وقد يكون من المبكر الحديث عن تراجع في سلطة الأبوين وانحسار في سطوة التقاليد العشائرية، رغم أن بوادر ذلك قد ظهرت حقاً. ولكن من المؤكد أن الهاتف النقال هذب الكثير من العادات، ويسر سبل التواصل بين الأفراد، وأحيا بعض العادات المندثرة مثل بطاقات التهنئة والمواساة باستخدام نظام الرسائل القصيرة.
لقد شعر المجتمع الغربي بأهمية المنتجات التي تقذف بها المصانع الكبري، ومراكز البحوث، وبيوت المال في تغيير نمط حياته. فلم يغفل دورها في بناء ثقافته الوطنية. وأخذ الكتاب والشعراء والفنانون يلاحقون هذه التطورات باهتمام. وهو ما جعل كاتباً مشهوراً مثل فوكوياما يضع كتاباً باسم " الثقة " يشرح فيه أساليب التعامل التجاري في العالم المتقدم، ويحاول إضفاء طابع إنساني عليه. ولكنه لم يكن يعلم أن هذا النوع من العلاقات الاقتصادية موجود علي نطاق واسع في أسواق العراق الكبري منذ عقود طويلة. ولم يلتفت أحد داخل العراق، أو في البلدان العربية الأخري التي تمارس هذا النوع من التواصل التجاري، إلي قيمته الإنسانية. لأن من يمتهنون الأصناف الثقافية لا يحفلون بهذا النوع من الأفكار، ولا يعدونها ضمن اختصاصاتهم التقليدية. وهذا هو السر في أن الشعر لم يعد مقروءاً كما تنبأ بذلك نزار قباني، وكذلك الأشكال الأدبية والفنية الأخري.
وما لم نعمد إلي فهم المتغيرات الاجتماعية، وما تنطوي عليه من دلالات، فلن يكون بإمكاننا أن نتحدث عن ثقافة وطنية. وإذا لم ندرك ماذا يعني دخول أشباه الموصلات أو الرقائق الرقمية أو غيرها من المنجزات العلمية إلي الخدمة الفعلية في بلادنا، فسنكون في واد والمجتمع في واد آخر. وليس بإمكاننا تلافي ذلك إلا بإعادة النظر في مفهوم الثقافة الذي مازلنا نعتنقه دون مزيد من الوعي. ومثلما نحتاج اليوم إلي إعادة إعمار للبنية التحتية المنهارة، فإننا نحتاج أيضاً إلي إعادة إعمار واسعة النطاق لثقافتنا الوطنية المتصدعة. وربما سيكون بالإمكان الحديث عن حملة واحدة، ذات جوانب متعددة يفضي بعضها للبعض الآخر.
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[25 - 12 - 2006, 08:37 ص]ـ
عزيزي الشمالي
ليس هذا في الوقت الحاضرفقط
ولكني اضن بأن تدهور الشعر يعود السبب إلى العصر العثماني
حيث ضعف فيه الشعر الى درجة الانحطاط
فكان شعرهم قد كثرث فيه التكلفه وايضاً بسبب الحروب وانشغال الامراء بها ادت إلى ضعف الشعر
ألم تسمع قائلهم
كلما قلت شعراً قال احسنت
وبأحسنت لا يباع الدقيق
فما تدهور الشعر الان يعتبر امتداد للعصر العثماني
ولكن اعتقد ان الشعر الان اصبح يكتب بالعاميه
اكثر من الفصحى
ولكن اشتدي ازمة تنفرجي
ولك خالص تحياتي
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[26 - 12 - 2006, 11:32 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الكريم على ملاحظتك القيمة، ولكن أياً مايكون السبب فيجب علينا أن نكون عاملاً إيجابياً يعيد للثقافة والشعر والأدب المكانة التي تليق لهم
وبارك الله جهود مثل هذه المواقع التي تساهم في هذا المضمار، كما يجب ابتكار وسائل عملية تساعد على ذلك، وخصوصاً أن من بين الذين يرتادون هذه المواقع الكثير من الموهوبين كما نلاحظ، وذلك في مجال الأدب والشعر والنقد.
بارك الله للجميع جهودهم ويسر لهم ولنا خدمة العربية بمختلف فنونها، والذي يؤدي بدوره لخدمة وفهم دين الله بشكل صحيح.