[مسرحية .... ثلاثة أيام مع رهين المحبسين .. لباكثير]
ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[22 - 01 - 2007, 11:32 ص]ـ
مسرحية .... ثلاثة أيام مع رهين المحبسين
بقلم الأديب الكبير الأستاذ: علي أحمد باكثير
اليوم الأول:
(أبو العلاء المعري يصلي ركعتي الضحى وعنده تلميذه ابن أبي هاشم)
أبو العلاء: (يسلم من صلاته وهو يرتجف من البرد) أبغني ردائي يا ابن أبي هاشم.
ابن أبي هاشم: هذا من وضوئك بالماء البارد يا سيدي الشيخ. فلو توضأت بالماء الذي سخنته لك ..
أبو العلاء: كلا يا ابن أبي هاشم .. مالي وللماء الحميم؟ إن على التخوم لمجاهدين مرابطين في العراء يدفعون عنا العدو، فإذا لم احتمل الماء بارداً فأنى يكون جهادي؟
ابن أبي هاشم: هاهو ذا رداؤك.
أبو العلاء: (يلتحف بالرداء) بارك الله فيك .. هل لي الآن أن أملي عليك؟
ابن أبي هاشم: (يسرع إلى كراسته وقلمه) أملِ يا سيدي ..
أبو العلاء:
أجاهد بالطهارة حين أشتو = وذاك جهاد مثلي والرباط
مضى كانون ما استعملت فيه = حميم الماء فاقدم يا شباط
صوت (ينادي من الخارج) يا أبا العلاء! يا أبا العلاء!
ابن أبي هاشم: هذا أبو القزويني قد جاء ليؤذيك ويضايقك، فهل لي يا سيدي أن أصرفه عنك؟
أبو العلاء): بل ائذن له وأحسن استقباله.
ابن أبي هاشم: إنه يشنؤك ويحقد عليك.
أبو العلاء: لكني لا اشنؤه ولا أحقد عليه .. دعه يدخل.
(يفتح ابن أبي هاشم الباب الأيمن فيدخل أبو يوسف)
أبو يوسف: السلام عليكم يا أبا العلاء.
أبو العلاء: وعليك السلام ورحمة الله، مرحباً بك يا أبا يوسف، ابسط له هذه السجادة يا ابن أبي هاشم.
أبو يوسف: بل ابق مكانك يا أبا العلاء .. فهأنذا قعدت على هذه اللبدة بجانبك.
أبو العلاء: أهلاً بك ومرحباً.
أبو يوسف: ليت شعري أكنت تصلي الصبح يا أبا العلاء؟
أبو العلاء: بل نافلة الضحى يا أبا يوسف.
أبو يوسف: نافلة الضحى! ما أرى الضحى والصبح إلا سواء عندك يا أبا العلاء؟
أبو العلاء: أجل .. كلتاهما لله عزوجل!
ابن أبي هاشم: إنه يعرض يا سيدي ببصرك!
أبو العلاء: بل بشيء آخر وقد أجبته .. والله يغفر لنا وله.
أبو يوسف: كلا ما قصدت تعريضاًَ .. وإنما غلبتني الشفقة ألا يبصر النور من عنده مثل ذكاء الشيخ وفطنته!
أبو العلاء: لا ترث لي .. أني لأحمد الله على العمى كما يحمده غيري على البصر.
أبو يوسف: صدقت .. لا يحمد على المكروه سواه.
أبو العلاء: كلا يا أبا يوسف .. ما هذا عندي بمكروه بل نعمة لقد صنع لي ربي وأحسن بي إذ كفاني رؤية الثقلاء البغضاء.
أبو يوسف: أتهجوني يا أبا العلاء؟
أبو العلاء: معاذا الله أن أهجو ضيفي.
أبو يوسف: لا غرو أن هجوتني فقد هجوت من هم خير مني!
أبو العلاء: ويحك إني لأكره ما يتعاطى الشعراء من الهجاء وقد أسقطت هذا الباب من شعري، فما هجوت أحداً قط.
أبو يوسف: صدقت يا أبا العلاء، لم تهج أحداً إلا الأنبياء!!
أبو العلاء: (متالما) الأنبياء!
أبو يوسف: نعم .. ألست القائل:
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما = دياناتكم مكر من القدماء
أرادوا بها جمع الحطام فأدركوا = وبادوا فبادت سنة اللوماء
ججج
أبو العلاء: بلى قد قلت ذلك ولكني ما عنيت الأنبياء، فإنهم لم يجمعوا حطاماً وإنما جمعه آخرون فإياهم عنيت.
أبو يوسف: وما تقول في قولك:
إذا رجع الحصيف إلى حجاه تهاون بالشرائع وازدراها؟
أبو العلاء: قلت: المذاهب لا الشرائع.
أبو يوسف: بل قلت الشرائع .. هكذا رويته عن تلاميذك.
أبو العلاء: سامحهم الله .. يخطئون الرواية عني وأنا بعد حي!
أبو يوسف: بل هكذا أمليت عليهم فلا تتنصل!
أبو العلاء: أو قد ظننت أنني أتنصل؟ .. إذن فاروه عني كما تشاء، فليس بين المذاهب والشرائع كبير فرق فيما قصدت.
أبو يوسف: أو تزدري الشرائع يا شيخ، ثم تصلي الضحى وتقول إنك مسلم؟!
أبو العلاء: ويحك إني ما ازدريتها إلا لأني مسلم.
أبو يوسف: إنك تقصد شريعتنا.
أبو العلاء: نعم .. كيف لا ازدريها اليوم وقد صار علماؤها يرون الماخور يبنى بجوار الجامع في بلدتهم فلا ينكرون.
مساجدكم ومواخيركم = سواء فتبا لكم من بشر!
أبو يوسف: إنما تتكلف هذا التأويل تقية منك.
أبو العلاء: يغفر الله لك .. إن كنت لا أخشى الله ربي فكيف أخشى من دونه؟ (يتنهد) ما للناس ومالي؟ قد تركت لهم دنياهم فماذا يبتغون عندي؟
أبو يوسف: بل تركت لهم الآخرة كذلك!
¥