تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الشيب بين الجمال والجلال]

ـ[الأسد]ــــــــ[10 - 03 - 2007, 02:10 ص]ـ

أثناء جولتي في أحد كتب الأدب القديمة شدني بعض أبيات جميلة للبحتري، جعلتني أكتب مثل هذا الموضوع، وهو هاجس يقلق أصحابه دوما، كما أنه مرحلة لابد من وصولها إذا نسأ الله في آجالنا، فكلنا يدرك أن الشيب هو من دلائل الكبر و العجز، فمتى ما اشتعل با لإنسان فإنه سوف يتجه به إلى طريق لايحبذه، وهو طريق الشيخوخة، وهذا ما نلحظه على شيوخنا وعجائزنا، إلا أن هذا الشيب يبدو مرغوبا من قبل الآخرين ممن يمتلكون الشفقة والرحمة الذين ينظرون إليهم نظرة الإجلال والإحترام، وهذا ماأمرنا به ديننا الحنيف الذي دعا إلى أن من إجلال الله تعالى إحترام ذي الشيبة المسلم، وبذلك اكتسب الشيب صفة الإجلال و التقدير.

ثمة أمر غريب قد نجده في كثير من الرجال بل والشباب أيضا، وهو ظهور الشيب فيهم وهم في أوج عطائهم وذروة نشاطهم، فيحمله البعض على أنه صفة خَلقية ذميمة، فهي تدل على انعدام الحيوية منهم، وزوال القوة والنشاط، إلا أنني رأيت نقيض ذلك، فالبياض مع السواد يميز الشخص، ويظهر جوهره، ويبرز معدنه، لاسيما وأن الأشياء لاتتميز إلا بضدها، كما يقول الشاعر:

فالوجه مثل الصبح مبيض = والفرع مثل الليل مسودُ

ضدان لما استجمعا حسنا = والضد يظهر حسنه الضدُ

وقالو في المثل (وبضدها تتميز الأشياء)

وقد استطاع البحتري بشاعريته الفذة أن يحول الشيب إلى سمة من سمات الجمال الطبيعي، وذلك عندما تحدث عن بداية ظهور الشيب فيه، ومالاقاه من لوم وعتاب خصوصا من قبل النساء. يقول البحتري:

عذلتنا في عشقها أم عمرو ٍ = هل سمعتم بالعاذل المعشوق ِ؟

ورأت لمة ألم بها الشي = بُ، فريعت من ظلمة في شروق ِ

ولعمري لولا الأقاحي لأبصر = تَ، أنيق الرياض غير أنيق ِ

وسواد العيون لولم يملّح = ببياض ما كان بالموموق ِ

أي ليل يبهى بغير نجومٍ = وسحاب يندى بغير بروق ِ

استعارات وتشبيهات رائعة، حيث شبه لمة شعره (الشعر الكثيف على العنق) بمافيها من شيب بشروق الشمس حين يشق ظلمة الليل، وكذلك الأقاحي (نبت بري أخضر في أعلى رأسه بياض) وكذلك سواد العيون لولم يطعم بهذا البياض لم يكن مرغوبا وساحرا خصوصا إذا كان البياض ناصعا وهذا مايعرف بالحَوَر، والليل لابد له من نجوم تحليه وتبرز روعته عندما تبرق وتلمع في السماء كاللآلئ المنثورة في الديباجة السوداء، ومثل ذلك السحاب والأمطار لا يزينها ويكمل روعتها إلا تلك البروق الآسرة.

وقد صور ابن الرومي أيضا ذلك المعنى في صورة رائعة وحلة بديعة، تميزت بطابع الحكمة والأمثال الجميلة، يقول:

قد يشيب الفتى وغير عجيبٍ = أن ترى النور في القضيب الرطيبِ

فهو لا يستغرب أن يكون النور والبياض الجميل قد ازدان به الطلع حديث النمو، فهو يجمّله ويزيّنه، وكذلك البياض المختلط بسواد شعر الفتى.

هذا هو الشعر الذي يجعل من الواقع خيالا، ويصنع من الخيال حقيقة لا تنكر فمثل هذا الشعر يكسر قاعدة (أصدق الشعر أكذبه) ويحولها إلى ظاهرة حقيقية تقول (أصدق الشعر أعذبه) وهذا ما رأيناه في الأبيات السابقة. ودمتم


ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[10 - 03 - 2007, 10:53 ص]ـ
بارك الله فيك أخي الأسد الذي ونفعنا الله شيباً وشبانا.

ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[10 - 03 - 2007, 04:03 م]ـ
قد يشيب الفتى وغير عجيبٍ = أن ترى النور في القضيب الرطيبِ
ما اجمله من بيت
جزاك الله خيراً

ـ[نيرمين]ــــــــ[10 - 03 - 2007, 04:10 م]ـ
عيّرتني بالشّيب وهو وقار=ليتها عيّرتني بما هو عار

ـ[قصي علي الدليمي]ــــــــ[10 - 03 - 2007, 07:14 م]ـ
روِّحينا يا نُسَيْماتُ الصّبا واحْمِلي للشَّيبِ أَنفاسَ الصِّبا

ـ[الرياني]ــــــــ[11 - 03 - 2007, 01:11 م]ـ
السلام عليكم

الشيب يعطي وقارا للرجل ولكنه قبيح في شعر المرأة .. وقد تحدث عن هذا شاعر قديم فقال:

الخال يقبح بالفتى في خده .. والخال في خد الفتاة مليح
والشيب في شعر الفتى مستملح .. والشيب في شعر الفتاة قبيح

:)

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير