[مصطفى لطفي المنفلوطي]
ـ[الحارث السماوي]ــــــــ[26 - 12 - 2006, 04:18 م]ـ
من (مصطفى لطفي المنفلوطي) إلى أبطال الإسلام في (العراق).
أبطال (العراق) ..
و ليوث (الرافدين) ..
وحماة الثغور وذادة المعاقل والحصون ..
صبرا قليلا في مجال الموت، فهاهي نجمة النصر تلمع في أفاق السماء، فاستنيروا بنورها، واهتدوا بهديها حتى يفتح الله عليكم.
إن الله وعدكم النصر، ووعدتموه الصبر، فأنجزوا وعدكم ينجز لكم وعده.
لا تحدثوا أنفسكم بالفرار، فوالله إن فررتم لا تفرون إلا عن عرض لا يجد له حاميا، وشرف لا يجد له ذائدا، ودين يشكوا إلى الله قوما أضاعوه، وأنصارا خذلوه.
إنكم لا تحاربون رجالا أشداء، بل أشباحا تتراءى في ظلال الأساطيل، وخيالات تلوذ بأكناف الأسوار والجدران، فاحملوا عليها حملة صادقة تطير بما بقي من ألبابها، فلا يجدون لبنادقهم كفا، ولا لأسيافهم ساعدا.
إنهم يطلبون الحياة، وانتم تطلبون الموت، ويطلبون القوت، وتطلبون الشرف، ويطلبون غنيمة يملأون بها فراغ بطونهم، وتطلبون جنة عرضها السموات والأرض، فلا تجزعوا من لقائهم، فالموت لا يكون مر المذاق في أفواه المؤمنين.
إنكم تعتمدون على الله، وتثقون بعدله ورحمته، فتقدموا إلى الموت غير شاكين ولا مرتابين، فما كان الله ليخذلكم، ويكلكم إلى أنفسكم، وانتم من القوم الصادقين.
إن هذه القطرات من الدماء التي تسيل من أجسامكم ستستحيل غدا إلى شهب نارية حمراء تهوي فوق رؤوس أعدائكم فتحرقهم، وان هذه الأنات المتصاعدة من صدوركم ليست إلا أنفاس الدماء صاعدة إلى اله السماء أن يأخذ لكم بحقكم ويعديكم على عدوكم، والله سميع الدعاء.
إن أعداءكم قتلوا أطفالكم، وبقروا بطون نسائكم، واخذوا بلحى شيوخكم الأجلاء فساقوهم إلى حفائر الموت سوقا، فما ذا تنتظرون بأنفسكم؟.
اجلبوا عليهم بخيلكم ورجلكم، واصدقوا حملتكم عليهم، وجعجعوا بهم، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، واطلبوهم بكل سبيل، وفوق كل ارض، وتحت كل سماء، وأزعجوهم حتى عن طعامهم وشرابهم، ويقظتهم ومنامهم، فما أعذب الموت في سبيل تنغيص الظالمين!
احفروا لأنفسكم بسيوفكم قبورا، فالقبر الذي يحفر بالسيف لا يكون حفرة من حفر النار.
لا تطلبوا المنزلة بين المنزلتين، ولا الواسطة بين الطرفين، ولا العيش الذي هو الموت أشبه منه بالحياة، بل اطلبوا إما الحياة أبدا، وإما الموت أبدا.
غدا ينتهك أعداؤكم حرمة أرضكم ودياركم، ويملكون عليكم نسائكم وأولادكم، ويطأون يحوافر خيولهم مساجدكم ومعابدكم، وينظمون في ثقوب أنافكم مقاود يقودونكم بها إلى مواقف الذل والهوان كما تقاد الإبل المخشومة إلى معاطنها، فافتدوا أنفسكم من هذا المصير المهين بجولة تجولونها في سبيل الله ثم تموتون موت الجبان في حياته، وحياة الشجاع في موته، فموتوا لتعيشوا، فوالله ما عاش ذليل ولا مات كريم.
إن هذه الاساطيل الرابضة على شواطئكم، والمدافع الفاغرة أفواهها إليكم، والبنادق المسددة إلى صدوركم ونحوركم، لا يمكن أن يتألف منها سور منيع يعترض سبيلكم في رحلتكم من هذه الدار إلى تلك الدار، فسيروا في طريقكم إلى آخرتكم، فان الأعداء إن ملكوا عليكم طريق الحياة لا يملكون عليكم طريق الموت. المستميت لا يموت، والمستقتل لا يقتل، ومن يهلك في الإدبار أكثر ممن يهلك في الإقدام، فان كنتم لا بد تطلبون الحياة فانتزعوها من بين ماضغي الموت.
إن كتاب التاريخ قد علقوا أقلامهم بين أناملهم، ووضعوا صحائفهم بين أيديهم، وانتظروا ما تملون عليهم من حسنات أو سيئات، فاملوا عليهم من أعمالكم ما يترك في نفوسهم مثل ذلك الأثر الذي تركته في نفوسكم تلك الصحائف البيضاء التي سجلها التاريخ لأولئك الأبطال العظام.
موتوا اليوم أعزاء قبل أن تموتوا غدا أذلاء .. !
موتوا قبل أن تطلبوا الموت فيعوزكم، وتنشدوه فيعجزكم .. !
موتوا اليوم شهداء في ساحة الحرب، تكفنكم ثيابكم، وتغسلكم دماؤكم، وتصلي عليكم ملائكة الرحمن قبل أن يسبق قضاء الله إليكم فيموت أحدكم فلا يجد بجانبه مسلما يصلي عليه صلاة الجنازة ثم يمشي وراء نعشه إلى قبره حتى يودعه حفرته، ويخلي بينه وبين ربه.
إن الشيخين ابا بكر وعمر، والفارسين خالدا وعليا، والأسدين حمزة والزبير، والفاتحين سعدا وأبا عبيدة، والبطلين طارق بن زياد وعقبة بن نافع وجميع حماة الإسلام وذادته من السابقين الأولين والمهاجرين الصابرين، يشرفون عليكم اليوم من علياء السماء، لينظروا ما ذا تصنعون بميراثهم الذي تركوه في أيديكم، فامضوا لسبيلكم، واهتكوا بأسيافكم حجاب الموت القائم بينكم وبينهم، وقولوا لهم إنا بكم لاحقون، وإنا على آثاركم لمهتدون.
إن هذا اليوم له ما بعده، فلا تسلموا أعناقكم إلى أعدائكم، فإنكم إن فعلتم فلن يعبد الله بعد اليوم على ظهر الأرض أبدا.
¥